حسين آل إسماعيل

قال الله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.

١/ لماذا قال القرآن من القانتين ولم يقل من القانتات؟

٢/ ما هي الأمور التي كرم الله بها مريم÷؟

كلما وصف القرآن الكريم الرجل بصفة وصف المرأة بنفس الصفة ونكتفي بآية واحدة تدل على ذلك بصراحة وهي قوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾.

ومن هذه الآية نستدل على انَّ المرأة تملك الكفاءة على أن تحقق ما يحققه الرجل فكما أنَّ الرجل يتصف بأنه (قانت) بمعنى أنه مطيع لله وخاضع له، كذلك المرأة تكون قانتة لله مطيعة له وخاضعة، ومن النساء اللاتي مدحهن القرآن وأثنى عليهن (مريم بنت عمران) مدحها القرآن بصفة القنوت في أكثر من موضع وإنما قال من القانتين ولم يقل من القانتات.

السبب لأن المعنى وكانت من القوم القانتين مثل قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾.

يعني وأسأل أهل القرية؛ لأن القرية لا تُسأل وإنما يُسأل أهلها.

وقد أكرم الله تعالى مريم بعدة أمور منها ما يلي:

الصفة الاُولى/ ذُكِرَتْ في القرآن الكريم باسمها: ولا توجد امرأة ذُكِرَتْ في القرآن باسمها إلا مريم فقط، وأما بقية النساء فذكرهنًّ القرآن إمَّا بالكنية أو باللقب، فقال جل وعلا: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً﴾، و﴿أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ﴾، و﴿امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾، ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾.

بينما ذكرت مريم في القرآن باسمها ٢٤ مرة إحدى عشرة مرة منهم ذكرت باسمها وثلاث عشرة مرة بنسب ابنها.

الصفة الثانية/ سميت سورة كاملة في القرآن باسمها: تسمى سورة مريم تتحدث عنها وعن صفاتها وقد حث المعصومون^ على قراءة تلك السورة الشريفة، وبينوا فضل قراءتها، وذلك كما يلي:

أ/ينال قارئها ما يُعينه في نفسه وماله وولده فقد روي في بحار الأنوار للمجلسي ج٨٩ ص٢٨٤ عن أبي عبد الله الصادق× أنه قال: «من أدمن قراءة سورة مريم، لم يمت حتى يصيب منها ما يعينه في نفسه وماله وولده، وكان في الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم، وأعطي في الآخرة مثل ملك سليمان بن داود في الدنيا».

ب/يعطى من الأجر ما لا يحصى: روي في مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ج٥ ص٧٧٢ عن النبي الأعظم| أنه قال: «من قرأ سورة مريم، أعطي من الأجر بعدد من صدق بزكريا، وكذب به ويحي ومريم وعيسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات وبعدد من دعا الله ولدا وبعدد من لم يدع ولدا».

الصفة الثالثة/ حازت اصطفائين: وقد نص القرآن الكريم على ذلك في سورة آل عمران آية ٤٢ فقال: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾.

والاصطفاء الأول يختلف عن الاصطفاء الثاني في هذه الآية المباركة:

الاصطفاء الأول: ان الله اختارها لتكون محلاً لتطبيق أمره العجيب للحمل بعيسى، وإن كان ابتلاءً شاقاً عليها إلا أن فيه من الرفعة ما فيه لهذه المرأة الطاهرة.

الاصطفاء الثاني: بمعنى التفضيل، يعني تفضيلها على نساء زمانها خاصة.

الصفة الرابعة / حباها بحصول الكرامات: وقد أخبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله في سورة آل عمران ٣٧: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾.

جاء في الروايات: «لما بلغت مريم التاسعة من عمرها، تصوم النهار وتقوم الليل».

الصفة الخامسة/ بشرها بعيسى: قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾.