الزهايمر والنوم والعشاء

img

منى عبد الله

عندما تم تحليل أدمغةً لجثث مرضىً قد قَضوا ـ وكانوا قبل موتهم مصابين بمرض الزهايمرأو فقدان الذكرة ـ تمّ ملاحظة أنّ هناك ترسبات كبيرة Plaque أو ما تعرف كيميائياً بمركبات البيتا أميلويد Beta-amyloid بين الخلايا العصبية داخل أدمغتهم.

في الواقع هذه الترسبات كانت هي السبب الحقيقي وراء مرض الزهايمر أو فقدان الذاكرة الذي أصاب هؤلاء الأشخاص في آخر أيام حياتهم.

فكّر العلماء وقالوا ماذا لو استطعنا أن نزيل هذه الترسبات من بين الخلايا العصبية! أليس من الممكن أن يستعيد المريض قدراته العقلية والإدراكية. وبعد محاولات وتجارب واستعمال أنواع مختلفة من الأدوية, باءت كل المحاولات بالفشل ولم يكن لهذه الأدوية والعقاقير من فائدةٍ تذكر.

فقرروا في نهاية المطاف أن يخطوا خطوة إلى الوراء ويعودوا إلى أصل المشكلة فبدأوا بالبحث لمعرفة أسباب تراكم هذه الترسبات بين خلايا الدماغْ وشرعوا بالتقصي وراء الأسباب و العوامل التي تُحفز أو تزيد حدوثها.

وهنا كانت الصدمة… لقد عدنا من حيث بدءنا!

إنه هرمون الأنسولين مرةً أخرى.

هو سر سعادتنا وشقائنا في آنٍ واحد.

لا أدري إن كنت قد سمعت عن النظام الغليمفاوي Glymphatic System والذي تم اقتراحه أو افتراضه سنة 2013 من قبل عالمة الأحياء الدنماركية مايكن نيدرجارد Maiken Nedergaard هي وفريقها البحثي الذي كانت تقوده في كلية الطب بجامعة روتشستر Rochester في نيويورك ، من أجل دراسة وظائف النوم وهي تعمل اليوم كأستاذ في مركز العلوم الأساسية والترجمة العصبية في جامعة كوبنهاغن.

يقترح هذا النظام بأن الدماغ لديه شبكة من القنوات التي تُطهر السموم وتغسلها بالسائل الدماغيّ الشوكيّ فهو أشبه بنظام تصريفٍ للنفايات والسموم الضارة في الجسم… حيث ينشط هذا النظام أثناء النوم ليبدأ الدماغ بتنظيف نفسه ويطرد كل المركبات السامة التي تراكمت أثناء العمل والنشاط والتفكير طوال اليوم بما فيها مركبات الأميلويد هذه ومركباتها الثانوية.

لقد كنا نعرف خلال العقود المنصرمة بأن النوم ضروري لتشكيل الذكريات وتوطيدها ، وأنه يلعب دورًا مركزيًا في تكوين روابط عصبية جديدة واصلاح الروابط القديمة. ولكن لم نكن نتخيل بأن الدماغ يقوم بتنظيف خلاياه أثناء النوم.

لقد كان الإعتقاد السائد بأن تنظيف الدماغ يتبع للجهاز اللمفاوي Lymphatic system والذي يعتبر الحارس النشيط للجهاز العصبي ولكن يبدو أن خلايا الدماغ ودهاليزه تعتبر، بعيدة المنال عن سلطة الجهاز اللمفاوي هذا بالإضافة إلى كون الدماغ جهازاً فائق النشاط في الجسم ولربما يستهلك حوالي 20% من الطاقة التي تزودها لجسمك يومياً الأمر الذي سيُصعب المهمة على الجهاز اللمفاوي لوحده .

بعد ذلك ظهرت نظرية جديدة تقول بمبدأ التدوير الذاتي أي أن خلايا الدماغ تقوم بتدوير نفاياتها ذاتياً وتعيد تنظيف نفسها وحين تفشلُ الخلايا بهذه المهمة تتراكم ترسبات الأميلويد ليصاب المرء بمرض الزهايمر.

ولكن Maiken ترى أن خلايا الدماغ مشغولة تماماً طوال اليوم وليس لديها الوقت الكافي لتقوم بتدوير نفاياتها ذاتياً.

فلا بد من أن يكون هناك نظام تنظيف ذاتي خاص بالدماغ وهو كما قلنا النظام الغليمفاوي المقترح حديثاً. والذي ينشط فقط أثناء النوم.

الأخبار السيئة هي أن هرمون الأنسولين عند إفرازه وارتفاعه في الدّم يعيق عملية التنظيف الجّارية هذه داخل الدماغ الأمر الذي سيسمح بتراكم كمياتٍ أكبر من ترسبات (الأميلويد) بين الخلايا العصبية في الدماغ.

أما الأخبار السّارة فهي أنّ الخالق وهبنا سلاحاً فعّالاً للتعامل مع هذه المشكلة. هذا السلاح هو الأنزيم المهدئ للأنسولين Insulin Degrading Enzyme أو ما يعرف اختصاراً بـ IDE والذي يعلب دورين هامين في آنٍ واحد:

الأول هو إعاقة وتعطيل عمل الأنسولين.

والثاني هو تحطيم بروتينات الأميلويد وتخليص الدماغ منها.

وبالتالي لك أن تتصور ما تفعله في جسمك بتناولك المفرط للكربوهيدرات والسكريات وخصوصاً عند المساء.

فكلما استهلكت سكاكر أكثر سيتم إفراز كمياتٍ أكبر من الأنسولين… الأمر الذي سيعيق عمل أنزيم الـ IDE (لأن هذا الأنزيم سيكون مشغولاً بالعمل في إعاقة الأنسولين بدلاً من العمل على تحطيم الأميلويد) وبالتالي الترسبات في دماغك ستزادد أكثر وأكثر.

لذلك عليك أن َتَتعلم القاعدة الأولى في التغذية السليمة والتي تساعدك في وقاية جسمك وتحمي عقلك من الزهايمر في المستقبل وهي:

لا تأكل قبل النوم بـ 3 ساعات!

السبب:

لكي لا تنام ومستويات الأنسولين ما زالت مرتفعةً في دمك.

فذهابك للنوم وتراكيز الأنسولين في أدنى مستوياتها في دمك ستتيح الفرصة ـ كاملةً ـ لأنزيم الـ IDE بالعمل في تحطيم بروتينات الأميلويد الأمر الذي سيوقف تراكم الترسبات بين خلايا دماغك قدر المُستطاع .

فهذا الأنزيم هو سائل التنظيف الذي يتم استعماله في غسّالة الصحون (والتي هي دماغك) لتنظف الأطباق (والتي هي خلايا دماغك) من المركبات السامة وعدم السّماح بتراكمها.

القاعدة الثانية هي النوم الصّحي أي لمدة تتراوح بين 6 ـ 8 ساعات للبالغين لتعطي لدماغك القدرة على تنظيف ما تراكم من مركبات ضارة بين خلاياه طوال اليوم.

تصوّر!! كل ذلك يحدث وأنت نائم… ولا تشعر بشيء.

الكاتب منى عبد الله

منى عبد الله

مواضيع متعلقة