دور الإعجاز في المسيرة الدعوية للأنبياء عليهم السلام ـ 06
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
السنة النبوية والضمان الاجتماعي
ومن خلال هذا الطرح نكون قد تنبهنا إلى الفرق بين هذين المفهومين، ولهذا فإننا نجد في السنة النبوية أحاديث كثيرة ذات صبغة تنطبق على هذا اللون من الضمان، ومنها قوله| برواية الإمام أبي جعفر×: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع. وما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة»([1]).
حيث نلاحظ أن المسألة في التراجع والنكوص عن تطبيق مفهوم الضمان ميدانياً وواقعياً يصل بصاحبه إلى هذا المستوى من التشديد عليه، وتكفيره؛ إذ براءة ذمة الله تعالى، وذمة رسوله| منه يعني كفره ومروقه عن الدين، وخروجه عن ملة سيّد المرسلين، ورسول رب العالمين، النبي الأمين محمد المصطفى|.
فلسفة الضمان ومصرفه
حينما نرجع إلى مفهوم الضمان فسنجد أن من الممكن انطباقه على نمطين من بني الإنسان هما:
النمط الأول: من لم يجد عملا أصلاً
وفي مثل هذه الحال فإن على المجتمع ـ ضرورة مراعاة القيم الإنسانية ـ أن يضمن لهذا الفرد سيما المسلم([2]) حياة كريمة بعيدة عن إذلال النفس وتصغيرها وتحقيرها وتوهينها بإلجائه ـ نتيجة تجويعه وعدم مساعدته ـ إلى الاستعطاء والاستجداء، وهو ما يعني أنه سوف يريق ماء وجهه وكرامته بمد يده إلى الآخرين. نعم إن مثل هذا النمط من الناس لابد أن تمدّ لهم يد العون، وأن تضمن لهم متطلّبات حياتهم كافّة؛ حتى يجدوا عملا يتمكنون من خلاله الاعتياش بكرامة وشرف بعيدا عن الذل والهوان، وإلّا فإن هذا الإنسان إذا ما ترك دون إعانة وفق مفهوم الضمان، وإذا ما لم يتمكن من أن يحصل على قوته فإنه سوف يكون أحد فردين:
الفرد الأول: الإنسان الذي يأبى أن يمدّ يده
إن أفراد هذا النمط من بني الإنسان لا تسوغ لهم أنفسهم أن يمدوا أيديهم إلى الآخرين، وأن يستعطفوهم أو يستعطوهم ويستجدوهم، ولهذا فإنه من الممكن أن يصل بهم الأمر إلى إحدى نتيجتين:
الأولى: سلوك جانب الجريمة
وهي نتيجة تتمثّل بمن تتوفّر لديه عامل الجريمة، ومثل هذا فإنه سوف يلجأ إلى طرق الجريمة، وسبل العيش المحرّم؛ فنجد عنده توجّهاً حياتياً يفضّل من خلاله أن يسرق على أن يمدّ يده؛ وبهذا فإنه سوف يصبح عنصراً مجرماً شاذّاً في المجتمع يقتل ويسرق ويسلب وينهب من أجل لقمة عيشه وتحصيلها من جهة، ومن أجل الانتقام من هذا المجتمع الذي أوصله إلى هذه الدرجة. وهذا طبعاً مع الإنسان الذي لا يؤمن بدين أو بقيم.
الثانية: كتمان معاناته وحاجته عن الناس
وهي عادة تكون عند من يلتزم بالدين والقيم، فمثل هذا الإنسان، فإنه من المستحيل أن يلجأ إلى ما لجأ إليه الفرد الأول، لكنه كذلك إن كان لا تجود له نفسه بأن يمد يده إلى الآخرين، فإنه سوف يكتم جوعه وفقره وألمه؛ وهو ما يؤدّي إلى إحدى نتيجتين:
الاُولى: أنه إما أن يموت جوعاً.
الثانية: أو أن يعيش فقيراً مريضاً معدماً، لكن يرافق حالته هذه خسارة المجتمع له إذ ربما يكون ذا قابلية على نفع المجتمع ورفده بالأفكار والرؤى والعمل والنظريات وغيرها، لكن فقره حال دون تحقيق ذلك كله إذ لم يتمكن معه من الطلب لإيصال ما عنده من قابليات إلى المجتمع تصب بالتالي في خدمته ورقيه.
الفرد الثاني: الإنسان الذي يفرط في كرامته
وفي مثل هذه الحال فإن الإنسان سوف يعتاش على الآخرين، فيمد لهم يد الاستعطاف والاستجداء دون أن يفكر بأن يقوم بعمل ما، أو يؤدي وظيفة ما داخل هذا المجتمع، تكون نتيجتها رفض المجتمع بما عنده من قابليات وأفكار ورؤى وتطبيقات تصب كلّها في النتيجة في صالح المجتمع ورقيه.
يتبع…
___________________
([1]) الكافي 2: 668، باب حق الجوار، ح14. وانظر: المصنف (ابن أبي شيبة) 7: 218. المعجم الكبير 1: 259 / 751.
([2]) إنما قال: سيما المسلم؛ لأن الإسلام لا يمنع معونة غير المسلم، فعن محمد بن أبي حمزة أن أمير المؤمنين× رأى شيخاً مكفوفاً كبيراً يسأل، فقال×: «ما هذا؟». فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني. فقال×: «استعملتموه، حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟ انفقوا عليه من بيت المال». تهذيب الأحكام 6: 292، ب92، ح811. الوافي 10: 446 / 9852. وسائل الشيعة 15: 66، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ب19، ح19996.