دور الإعجاز في المسيرة الدعوية للأنبياء عليهم السلام ـ 01

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

قال الله تعالى في كتابه الكريم:

﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾([1]).

مباحث الآية الكريمة

تعد آية المقام الكريمة من الآيات التي يمكن طيها ضمن جانب آيات القصص القرآني الشريفة ذات العلاقة بالجانب التربوي والأخلاقي، وتوظيف سنن التاريخ وموارد الحياة البشرية من أجل الإفادة منها في عملية تهذيب النفس وإصلاحها. ولأهمية الجانب القصصي والسردي، والروائي في حياة الشعوب فإن علينا أن نتوجه إلى هذه الحقيقة لنضفي عليها لباس الدراسة والتوضيح، وما يمكن أن ينبثق عنه من عبر وحكم فضلاً عن القابلية التي يتسم بها الجانب السردي في ايصال المعلومة إلى ذهن المتلقي وقلبه.

ومن هنا كان علينا أن نتناول هذه المفاهيم التي تنطوي عليها هذه الآية الكريمة على مجموعة المباحث التالية:

المبحث الأول: الاُسلوب القصصي في القرآن الكريم

لقد اعتمد القرآن الكريم هذا الاسلوب ذا الفعالية الواضحة والكبيرة في نفس المتلقي كنمط من أنماط التربية، وهو ما يسعى القرآن الكريم من خلال أدواته واستعمالاته إلى تأصيله (الجانب التربوي) في نفوس الناس، وإلى جعله ذا مكانة كبيرة في قلوبهم؛ لما يتوفر عليه من جانب يتعلق بالروح والنفس يصب في إعدادهما وتهيئتهما تهيئة تتناسب مع ذلك المستوى الذي يريد الإسلام أن يوصل إليه الإنسان المسلم. وهذا ما سوف نتلمسه من خلال مسايرتنا لمفاهيم هذا الجانب عبر البحثين التاليين اللذين ينطوي عليهما، وهما:

البحث الأول: أنماط التربية

إن الإنسان الذي يتبنى التوجيه لغيره من أفراد المجتمع وفق وظيفته؛ سواء كانت وظيفة إلهية بتكليف مباشر كوظيفة الأنبياء والأوصياء^، أو غير مباشر كوظيفة الدعاة أو المصلحين والمتنورين الذين عرفناهم من خلال متابعة أحداث تأريخ الإنسانية، ومطالعتنا لمفردات الحياة البشرية، فإننا نجد أن هذه التربية يمكن أن تكون على نمطين:

النمط الأول: التربية المباشرة

ومثالها أن يقول الداعية أو المصلح لغيره: افعل الشيء الكذائي، ولا تفعل الشيء الكذائي. أو أن يقول له: هذا شيء صحيح؛ فاتبعه وامشِ على هديه ومنهاجه، وهذا شيء خطر؛ فاجتنبه وابتعد عنه؛ فالواجب عليك أن تتركه، وأن تتخلى عن السير في ركابه. وبتعبير آخر أن النصائح والمواعظ التي يريد الداعية إيصالها إلى الآخرين توجه إليهم وتوصل إليهم بشكل مباشر عبر أنماط الأساليب الكلامية التي تكون في هذا الجانب. ولو تتبعنا سيرة الأنبياء^ أو أوصيائهم، لوجدنا أنماطاً كثيرة من هذا اللون من ألوان التربية؛ حيث يأمرون أتباعهم وأصحابهم بشكل مباشر بأن يقوم بالفعل الكذائي، وأن يمتثل للأمر الكذائي، وأن يبتعد عن ذلك اللون من التصرّفات أو الأفعال؛ لما فيه من ضرر أو معصية لله تبارك وتعالى يترتب عليها غضبه جل شأنه.

النمط الثاني: التربية غير المباشرة

وأبسط مثال على هذا هو القصة التي يعمد الداعية أو المصلح أو المرشد إلى سردها على مسامع أتباعه أو أصحابه أو مريديه؛ ليتفطنوا إلى الهدف والموعظة الكامنة في هذه القصة من خلال تتبعهم لسردها على مستوى السبب، والحدث، والنتيجة التي يصل إليها بطل تلك القصة أو الإنسان أو الشخص الذي تدور حوله.

البحث الثاني: الهدف من اللجوء إلى الاُسلوب القصصي في القرآن الكريم

والقرآن الكريم إنما يعمد لاستعمال القصة في بعض الموارد كأسلوب تربوي؛ لأنها ذات جانب تشويقي كبير ومؤثر في حياة الإنسان؛ ذلك أن بعض النفوس تستثقل المواجهة بالموعظة مباشرة، وتأبى أن تمتثل إليها لأنها لا ترى فيها أي نتيجة إيجابية، أو في فعلها أي نتيجة سلبية يمكن أن يصل إليها الإنسان من خلال تحركه مادامت لا تشير إلى النتيجة التي تشير إليها هذه القصة. وعليه فإن الإنسان إذا ما استمع إلى القصة فإنه إنما يستمع إلى مسيرة أحداثها وسردها القصص على مستوى السبب، والنتيجة كذلك؛ حيث إنها تشير له إلى النتيجة السلبية أو الإيجابية التي يتبناها ذلك العمل الذي هو عليه؛ فيما لو كان عملاً سلبياً فيه معصية، أو عملاً إيجابياً فيه طاعة لله تبارك وتعالى.

ومن هنا فإننا نقول: إن القصة أكثر تأثيراً في النفوس سيما إذا ما تضمنت عظة أو عبرة أو أمراً معيناً يريد الداعي أو المصلح إيصاله إلى الآخرين فضلاً عن إيصالهم إليه.

يتبع…

____________

([1]) المائدة: 113.

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة