شهادة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)  ـ ٢٥ رجب

img

حسين آل إسماعيل

قال الله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

١/ ما معنى كظم الغيظ لغة واصطلاحاً؟

٢/ ما هي الآثار المترتبة على كظم الغيظ؟

٣/ ما الأدلة على اتصاف الإمام الكاظم بهذه الصفة؟

٤/ ما هي أنواع كظم الغيظ عند الإمام الكاظم×؟

كلمة (كظم الغيظ) تُفَسَّر من جهتين وهما ما يلي:

١) تارة نُفسِّر كل كلمة باستقلالها:

كلمة (كَظْم) في اللغة معناها شد رأس القربة بعد أنْ تُملأ بالماء فإذا مُلئت القربة ووصلت إلى حد النهاية وسُدَّ رأس القربة يُقال فلان كظم القربة يعني سدَّ رأسها بعد أنْ ملأها بالماء هذا المعنى صار يُستعمل في الإنسان على نحو الكناية إذا امتلأ الإنسان غضبُا قيل له: كاظم كالقربة إذا امتلأت بالماء الإنسان يمتلئ بالغضب.

٢)كلمة (الغيظ) في اللغة معناها الغضب والغيظ أشد من الغضب والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾.

٢) تارة نُفسِّر الكلمتين معًا وهناك عدة تفاسير وهي ما يلي:

أ) روي عن أمير المؤمنين× قال: «الحِلم هو كظم الغيظ ومُلك النفس».

ب) قال ابن الأثير في كتاب النهاية: «كظم الغيظ هو تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه ومنه الحديث الشريف: إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع».

وهناك عدة آثار لصفة كظم الغيظ وهي ما يلي:

١) الوصول إلى رتبة السيادة: قال أبو عبد الله الصادق×: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه كان سيداً: الصلة بالنفس والمال، والعفو عن المسيء، وكظم الغيظ».

٢) الحصول على الأمن يوم القيامة: قال الإمام الباقر×: «من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة».

٣) يُرزق مرافقة الأنبياء: قال النبي‘: «ثلاثة يُرزقون مرافقة الأنبياء: رجل أئتمن أمانة ولو أراد لخانها ولكنه أعطاها لمن ائتمنه عليها، ورجل يُدفع إليه قاتل وليه فيعفو عنه، ورجل كظم غيظه عن أخيه ابتغاء وجه الله».

هذه الصفة من صفات الإمام الكاظم× وهناك ثلاثة أدلة على اتصاف الإمام الكاظم× بهذه الصفة وهي ما يلي:

١) شهادة مَنْ كان يعيش في زمانه ومنهم ربيع بن عبد الرحمن يقول: «كان والله موسى بن جعفر من المتوسمين يعلم من يقف عنده ويجحد الإمامة بعده وكان يكظم غيظه عنهم مع معرفته بهم فلقب بالكاظم».

٢) مدح الشعراء له بهذه الصفة: كالسيد صالح الحلي في قصيدته المشهورة يقول:

باب الحوائج عند الله والسبب الـ *** ـموصول بالله غوث المستغيثينا

الكاظم الغيظ ممن كان مقترفا *** ذنبا ومن عم بالحسنى المسيئينا

وكذلك الشيخ قاسم محيي الدين يقول في قصيدة له:

يا كاظم الغيظ يا جد الجواد ومن *** عمت جميع بني الدنيا مكارمه

ومن غدا شرع خير المرسلين به *** سامي الذرى وبه شيدت دعائمه

٣) السيرة العملية للإمام الكاظم×.

الإمام الكاظم× كان يكظم غيظه بثلاثة أنواع وهي ما يلي:

١) يكظم غيظه عمَّن شتمه: ذكر الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد: «كان رجل في المدينة المنورة كلما مر عليه الإمام الكاظم× شتمه وسب عليَّا، فأراد أصحاب الإمام الكاظم× أن يتعرضوا لمن شتمه، فنهاهم وقال: «لا تتعرضوا له»، فسألهم الإمام الكاظم×: «أين يعمل؟» فقالوا: إن له مزرعة خارج المدينة. فركب الإمام الكاظم× بغلته وجاء إلى هذا الرجل بمجرد أن رأى الإمام الكاظم× قال له: لا تطأ زرعنا. فتوطأه حتى وصل إليه وصار الإمام الكاظم× يمازحه ويلاطفه وهو مغضب، فقال له: «كم خسرت على زرعك هذا؟» قال: مئة دينار. قال: «وكم ترجو أن تحصل على ربح» قال: أنا لا أعلم الغيب. قال له الإمام الكاظم×: «كم ترجو وتتوقع أن تربح». قال: مئة دينار. فأخرج له ثلاثمائة دينار قيمة ما خسره وقيمة ما يرجوه من المحصول ومئة زائدة. وفي اليوم الثاني جاء الإمام الكاظم× إلى المسجد وإذا هذا الرجل قام لاستقبال الإمام× وقال: الله يعلم حيث يجعل رسالته. ثم أخبر أصحابه بأنه ذهب إليه ولاطفه حتى اهتدى إلى محبته وأوصاهم بمداراة الناس ومعاملتهم بالحسنى».

الآن لدينا عدة أسئلة من خلال هذه الرواية وهي ما يلي:

السؤال الأول: كيف دخل الإمام إلى المزرعة مع نهي هذا الرجل بما أن الناس مسلطون على أموالهم؟

أولاً: أن الإمام المعصوم له الولاية العامةالمطلقة يعني له ولاية عليك وعلى نفسك ومالك وعلى جميع ما تملك، يأخذ ويعطي ويتصرف كيف يشاء. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾.

هذه ليست فقط في علي×، بل في كل الأئمة لوحدة الملاك؛ فكلهم معصومون. فالإمام الكاظم× له أن يدخل تلك المزرعة بولايته العامة المطلقة.

ثانياً: لأن هذا الرجل وقت دخول الإمام للمزرعة مهدور الدم والمال، لأنه ناصبي، والدليل على ناصبيته ما أورده الشيخ المفيد عنه بقوله: «وكان كلما رأى الإمام الكاظم× شتمه وسب عليا×».

ثالثاً: للقاعدة الشرعية وهي: «الأرض كلها للإمام».

فالإمام الكاظم× عندما وطأ تلك المزرعة، فقد وطأ على ملكه وأرضه.

فالإمام عندما أتلف الزرع، فقد اتلف زرعه هو ولم يتلف زرع ذلك الرجل لأن الإمام يملك ما لا يملكه هذا الرجل.

السؤال الثاني: إذا كانت الأرض كلها للإمام، فلماذا الأئمة يشترون الأراضي من أصحابها؟

الملكية على نوعين وهما يلي:

أ) ملكية حقيقية: وهي لله سبحانه وتعالى.

ب) ملكية ظاهرية: كملكيتنا للأشياء.

فالإمام عندما أعطاه مالاً هذا تفضل منه.

٢/ يكظم غيظه عمن جرحه: روى المؤرخون في سيرتهم: «كانت عند الإمام الكاظم جارية تصب عليه الماء ليتوضأ للصلاة، فبينما هي تصب عليه الماء سقط الإبريق فشجه، فرفع رأسه فقالت: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾. قال: «كظمت غيظي». قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾. قال: «قد عفا الله عنك». قالت: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال: «أنت حرة»».

سؤال/ يكره للمتوضئ الاستعانة بالغير في مقدمات الوضوء القريبة فكيف استعان الإمام الكاظم× بالجارية والإمام لا يفعل المكروه؟

هناك عدة احتمالات منها ما يلي:

أ) يحتمل أن الإمام أراد أن يعلمها الوضوء الصحيح بأن يتوضأ وهي ترى.

ب) يحتمل أن الإمام كان مريضاً.

ج) يحتمل أن الجارية كانت تعتقد الحرمة فأراد الإمام أن يصحح الحكم عندها فجعلها تصب الماء.

٣/ يكظم غيظه بتنازله عن أمواله: اجتاز على جماعة من أعدائه كان فيهم ابن هياج، فأمر بعض أتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الإمام ويدعي أنها له، ففعل ذلك، وعرف الإمام غايته فنزل عن البغلة وأعطاها له.

الكاتب حسين آل إسماعيل

حسين آل إسماعيل

مواضيع متعلقة