تحذير المعصومين من رفض الروايات
حسين آل إسماعيل
١/ هل حذر المعصومون من رد الروايات ورفضها؟
٢/ ما هو السر من هذا التحذير؟
يُحذِّر أهل البيت^ من ظاهر منتشرة عند بعض شبابنا وهي ظاهرة رد الروايات ورفضها مع أن الراد ليس من أهل الاختصاص، وهناك أخبار وردت عن المعصومين^ يُشددون على عدم رفض الروايات ومن تلك الأخبار ما يلي:
الرواية الأولى: في كتاب بصائر الدرجات ص٥٥٨ وفي بحار الأنوار ج٢ ص١٨٦ عن علي السائي عن أبي الحسن× أنه كتب إليه في رسالة: «ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلنا، وعلى أي وجه وصفه».
الرواية الثانية: روي في بصائر الدرجات ص٥٥٧ وفي بحار الأنوار ج٢ ص١٨٦ عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر الباقر× قال: سمعته يقول: «أما والله إن أحب أصحابي إلي وأورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله ولم يقبله قلبه، اشمأز منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا أسند فيكون بذلك خارج من ولايتنا».
الرواية الثالثة: روي في بصائر الدرجات ص٥٥٧ وفي كتاب بحار الأنوار ج٢ ص١٨٧ عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله الصادق× جعلت فداك، إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر، فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه، قال: فقال أبو عبد الله×: «أليس عني يحدثكم»؟ قال: قلت: بلى، قال: «فيقول لليل أنه نهار وللنهار أنه ليل»؟ قال: فقلت له: لا، قال: فقال: «رده إلينا، فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا».
الرواية الرابعة: روي في كتاب منية المريد ص٣٧٢ عن النبي‘ أنه قال: «من رد حديثا بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة، فإذا بلغكم عني حديث لم تعرفوا فقولوا: الله أعلم».
والسر في ذلك ـ كما بينوه ـ أنّ لكلامهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين سبعين وجهاً، وهذا ما نطقت به الروايات المأثورة عنهم ومن تلك الروايات ما يلي:
الرواية الأولى/ روى الصفار في بصائر الدرجات ص٣٤٩: عن حمران بن أعين عن أبي عبد الله الصادق×، قال: «إني أتكلم على سبعين وجهًا لي من كلها المخرج».
الرواية الثانية/ روى الصفار في بصائر الدرجات ص٣٤٩ عن علي بن أبي حمزة قال: دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله الصادق× فبينا نحن قعود إذ تكلم أبو عبد الله× بحرف، فقلت أنا في نفسي هذا مما أحمله إلى الشيعة هذا، والله حديث لم اسمع مثله قط، قال فنظر في وجهي ثم قال: «إني لأتكلم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجهًا إنْ شئت أخذت كذا وانْ شئت أخذت كذا».
الرواية الثالثة/ روى الصفار في بصائر الدرجات ص٣٤٩ عن الحسن بن محبوب عن الأحول عن أبي عبد الله الصادق× قال: «أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا إنّ كلامنا لينصرف على سبعين وجهاً».
وغيرها من الروايات التي تبين هذه الحقيقة وبطبيعة الحال لا يستطيع الإنسان مهما بلغ أن يعرف جميع تلك الوجوه، إذ لو أمكن لأحد الوصول إلى كل هذه الوجوه لما احتجنا إلى العترة الطاهرة، وبالتالي يلزم لغوية كلام النبي‘ ـ وحاشاه ـ ، لأنه جعل الهداية بالتمسك بالقرآن والعترة، وجعلهما العاصمين من الضلال، فلو يمكن الوصول لأحد بدون العترة لما وجدت ضرورة لجعل العترة الثقل الثاني ومن هنا خصهم الله بعلم القرآن وتأويله وتفسيره، وغير ذلك قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾.
روي في وسائل الشيعة ج٢٧ ص١٧٩ عن أبي جعفر× قال: «نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله».
وروي في الكافي ص٣١٥ عن أبي عبد الله الصادق× قال: «الراسخون في العلم أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده بعده».
وقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.
روي في وسائل الشيعة ج٢٧ ص٢٠٠ عن أبي جعفر× قال: «هم الأئمة المعصومون».
عن هرول بن حمزة، عن أبي عبد الله× قال: سمعته يقول: «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ».
روي في وسائل الشيعة ج٢٧ ص١٨٠ عن هرول بن حمزة عن أبي عبد الله الصادق× قال: «هم الأئمة خاصة».
روي في بحار الأنوار ج٢ ص٢٩٢ عن شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله× قال: كنت عند أبي عبد الله× إذ دخل عليه غلام كندة فاستفتاه في مسألة، فأفتاه فيها، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة فدخلت على أبي حنيفة، فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله×، فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة، إني كنت العام حاجاً فأتيت أبا عبد الله× مسلماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته. فقال: وما يعلم جعفر بن محمد أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي، فقلت في نفسي: والله لأحجن ولو حبواً قال: فكنت في طلب حجة فجاءتني حجة فحججت فأتيت أبا عبد الله× فحكيت له الكلام فضحك ثم قال: «عليه لعنة الله أمّا في قوله: إني رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف إبراهيم وموسى»، فقلت له: ومن له بمثل تلك الصحف؟ قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه فقال للغلام: «انظر من ذا؟» فرجع الغلام فقال: أبو حنيفة. قال: «أدخله» فدخل فسلم على أبي عبد الله× فرد عليه السلام، ثم قال: أصلحك الله أتأذن لي في القعود فأقبل على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت إليه. ثم قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه، فجلس أبو حنيفة من غير إذنه فلما علم أنه قد جلس التفت إليه فقال: «أين أبو حنيفة؟» فقال: هو ذا أصلحك الله، فقال: «أنت فقيه أهل العراق». قال: نعم. قال: «فبما تفتيهم؟» قال: بكتاب الله وسنة نبيه. قال: «يا أبا حنيفة، تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟» قال: نعم، قال: «يا أبا حنيفة، ولقد إدعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلّا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلّا عند الخاص من ذرية نبينا، وما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول ـ ولست كما تقول ـ فأخبرني عن قول الله: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾. أين ذلك من الأرض؟» قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله× إلى أصحابه فقال: «تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون؟» قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة، فقال: «يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله : ﴿مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾. أين ذلك من الأرض؟» قال: الكعبة. قال: «أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة، فقتله كان آمنا فيها؟» قال: فسكت، ثم قال: «يا أبا حنيفة إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع؟» فقال: أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي. قال: «يا أبا حنيفة، إنّ أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾». فسكت أبو حنيفة. فقال: «يا أبا حنيفة، أيّما أرجس البول أو الجنابة؟» فقال: البول. فقال: «الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول»، فسكت: فقال: «يا أبا حنيفة، أيهما أفضل الصلاة أم الصوم؟» قال الصلاة. فقال: «فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟» فسكت.