ذكرى شهادة الإمام الهادي عليه السلام
حسين آل إسماعيل
قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
انطلاقا من هذه الآية المباركة نتحدث في نقاط وهي ما يلي:
١/ماذا يُشترط في السؤال المطروح؟
٢/مَنْ هم المقصودون بأهل الذِّكر؟
٣/ما هي مميزات الإمام الهادي في إجابته على الأسئلة؟
يُشترَط في السؤال الذي يطرحه السائل خمسة شروط وهي ما يلي:
١) أنْ يكون السؤال سؤال تفقه لا سؤال تعنت: وروايات أهل البيت^ تحث على ذلك وأمر به ومن هذه الروايات منها ما رُوٍيَ في كتاب الفردوس ج١ ١٩٩ عن النبي الأعظم‘ أنه قال: «إذا قعد أحدكم إلى أخيه فليسأله تفقها ولا يسأله تعنتا».
وبيَّنت الروايات الأسباب التي من أجلها يمنع سؤال سؤال التعنت وهي ما يلي:
أ) لأنَّ سؤال التفقه ينتفع صاحبه وسؤال التعنت يضل صاحبه: رُوِيَ في كتاب مناقب آل أبي طالب ج٤ ص١٩٨ أن رجلاً يسمى بالأبرش الكلبي رأى الإمام الباقر× وقد اجتمع حوله أهل العراق يسألونه شتى المسائل، فقال الأبرش الكلبي لهشام بن عبد الملك: مَنْ هذا الذي اجتمع حوله أهل العراق يسألونه؟ قال: هذا نبيُّ الكوفة وهو يزعم أنه ابن رسول الله وباقر العلم ومفسر القرآن، فأساله مسألة لا يعرفها فأتاه وقال: يابن علي قرأت التوراة والإنجيل والفرقان؟ قال: نعم. قال: فإني سائلك عن مسائل قال: سل فإن كنت مسترشداً فستنتفع بما تسأل عنه وإن كنت متعنتا فتضل بما تسأل عنه.
ب) لأنَّ الجاهل المتعلم شبيه بالعالم: جاء في كتاب نهج البلاغة الحكمة ٣٢٠: جاء رجل إلى أمير المؤمنين× يسأله عن معضلة، فقال له: «سل تفقها ولا تسأل تعنتا، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت».
٢) أن يُحسِنَ السائل طرح السؤال: وبيَّنت الروايات أسباب ذلك كما يلي:
أ) لأن ذلك نصف العلم: تحف العقول ص٥٦ عن النبي الأعظم‘ أنه قال: «حُسن السؤال نصف العلم».
ب) لأن ذلك يوصل للعلم: رُوِيَ عن أمير المؤمنين×: «مَنْ أحسن السؤال علم».
٣) أنْ لا يكون الغرض من السؤال تغليط العلماء: جامع الأصول ج٥ ص٥٨ عن النبي الأعظم‘ أنه قال: «شرار الناس الذين يسألون عن شرار المسائل كي يغلطوا بها العلماء».
٤) أن يعقل السائل ما يسأل عنه وأنْ يتثبت المجيب في جوابه: رُوٍيَ في دستور معالم الحكم ص٨١ عن أمير المؤمنين× أنه قال: «إذا سأل سائل فليعقل، وإذا سئل فليتثبت».
٥) أنْ لا يكون السؤال عما لا فائدة فيه: رُوِيَ عن أمير المؤمنين× أنه قال: «سل عما يعنيك، ودع ما لا يعنيك».
٦) أنْ لا تسأل عما يسؤوك جوابه: كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
واختلف المفسرون في المقصود بأهل الذكر على عدة أقوال وهي ما يلي:
١/ هم اليهود والنصارى: وهذا الرأي مردود وغير صحيح فقد روي عن عن محمد بن مسلم قال الإمام الباقر×: إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أنهم اليهود والنصارى فقال الباقر×: «إذن يدعوكم إلى دينهم».
٢/ هم العلماء: قال السيد الطبطبائي في الميزان ج١٢ ص٢٥٩: «الآية إرشاد إلى أصل عام عقلائية وهو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة وليس ما تتضمنه من الحكم حكماً تعبدياً ولا أمر الجاهل بالسؤال عن العالم ولا بالسؤال عن خصوص أهل الذكر أمراً مولوياً تشريعياً وهو ظاهر».
٣/ هم أهل البيت: روى الكليني في الكافي ج١ ص٢١٠ عن الوشاء سألت الرضا× عن قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
قال×: «نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون». قلت: فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال: «نعم».
وفي رواية عن الصادق×: «الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسؤولون».
وفي رواية أخرى: «رسول الله الذكر وأهل بيته المسؤولون وهم أهل الذكر».
وتميز الإمام الهادي× في إجاباته بأمور وهي ما يلي:
١/بيان وجه الحكمة: روي في كتاب شرح شافية أبي فراس ص٥٦٣: كتب قيصر ملك الروم كتاباً إلى خليفة من خلفاء بني العباس، كتاباً يذكر فيه إنّا وجدنا في الإنجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرم الله جسده على النار وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء فإنّا طلبنا هذه السورة في التوراة. فلم نجدها وطلبناها في الزبور، فلم نجدها فهل تجدونها في كتبكم؟ فجمع الخليفة العلماء وسألهم عن ذلك، فلم يجب منهم أحد. فأرسل للإمام الهادي× فقال: «إنها سورة الحمد». فقيل له: وما الحكمة من خلوها من هذه الأحرف؟ فقال: «الثاء من الثبور، والجيم من الجحيم والخاء من الخيبة والزاي من الزقوم، والشين من الشقاوة والظاء من الظلمة والفاء من الفرقة أو الآفة». فلما وصل الكتاب إلى قيصر أسلم لوقته ومات على الإسلام.
٢/ تعيين المصداق الواضح في المسألة: روي في كتاب تاريخ بغداد ج١٢ ص٧٥: اعتل المتوكل في أول خلافته فقال: لئن برئت لأتصدقن بدنانير كثيرة، فبرئ من من مرضه فتحير في عدد الدنانير. فجمع الفقهاء فاختلفوا. فأرسل للإمام الهادي× فقال: «تتصدق بثلاثة وثمانين دينار». فتعجب القوم فقالوا له: سله عن الوجه في ذلك. فأرسل إليه فقال: «لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ فعدت الوقائع والسرايا والغزوات فبلغت ثلاثة وثمانون والرابع والثمانون يوم حنين وكلما زاد أمي المؤمنين في فعل الخير كان أنفع وأجرى عليه في الدنيا والآخرة».