بمناسبة ذِكرى وفاة أم البنين عليها السلام
الشيخ حسين آل إسماعيل
قال أمير المؤمنين×: «القرينُ الناصح هو العمل الصالح».
نتحدث حول هذه الكلمة الشريفة في أربع نقاط وهي ما يلي:
١) ما هو تعريف العمل الصالح؟
٢) ما هي شروط العمل الصالح؟
٣) ما هي ثمرات العمل الصالح؟
٤) ما هي بعض صفات أم البنين؟
أمَّا تعريف العمل الصالح فهو محل خلاف بين الإمامية وغيرهم فهناك رأيان في تعريف العمل الصالح وهما ما يلي:
الرأي الأول: رأي علماء الإمامية حيث عرَّفوا العمل الصالح بأنَّه: «ما حسًّنَهُ العقل وأَيَّدهُ الشَّرع وأكَّد عليه».
مثال ذلك: مساعدة الفقراء نجد أن العقل يستحسن العطف على الفقراء وإمدادهم بالعون والمساعدة فيأتي الشَّرع بما أنَّه سيد العقلاء ويُؤكٍّد على ما أقرَّه وأيَّده العقل وهو مساعدة الضعفاء.
ولذلك حتى في الأحكام الشرعية تجد أنَّ من ضمن الأدلة دليل العقل ومثال ذلك في منهاح الصالحين للسيد الخوئي المعاملات ج٢ باب الغَصب قال: «الغَصبُ حرامٌ عقلاً وشرعاً».
لاحظ كلمة (عقلاً) يعني أنَّ العقل يستقبح الَغصب ويَكره الظلم فمِن خلال حُكْم العقل نستكشف حُكم الشرع بحُرمة الغَصب.
الرأي الثاني: رأي الأشاعرة حيث عرَّفوا العمل الصالح بأنَّه: «ما أشار له الشارع وأما العقل فلا دخل له في الإشارة إليه».
وللعمل الصالح ستة شروط بيَّنها القرآن الكريم وأحاديث المعصومين عليهم السلام وهذه الشروط هي ما يلي:
١) أنْ لا يُخلَط العمل الصالح بعمل سيء: قال الله تعالى في سورة التوبة آية ١٠٢: ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾.
قصة: خرج رجل يريد العمرة في أيام الإمام الصادق× وفي أثناء طريقه مرت امرأة فرمقها ببصره ثم قبل الذهاب للعمرة مر على بيت الإمام الصادق× ليلتمس منه الدعاء بأن يحفظه الله في طريقه. فأراد الدخول على الإمام الصادق× فرفض الإمام مقابلته فخرج خادم الإمام وقال له الإمام: «يرفض مقابلتك». فحاول عدة مرات إلى أن أدخل على الإمام فقال: يابن رسول الله هل صدر مني ذنب؟ فقال له: «بلى، إنك في أثناء طريقك للعمرة مرت امرأة فنظرت إليها». فقال الرجل: ومن الذي أخبرك والله ما كان في الطريق غيري وغيرها. فقال الإمام الصادق×: «إن لنا معكم معاشر الشيعة عينا تنظر وأذنا تسمع أظننتم أن الجدران تحجزكم عنا».
فلا تكن ممن قال الله فيهم: ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾.
فالعُمرة عملٌ صالح ولكن النظر للمرأة بريبة عملٌ سيء.
٢) أنْ يكتم عمله ولا يذيعه: في روي في كتاب الكافي ج٢ ص١٩٦ عن أبي جعفر الباقر× أنه قال: «الإبقاء على العمل أشد من العمل»، فقيل له: وما الإبقاء على العمل؟ فقال×: «يَصِلُ الرجلُ بِصِلَة ويُنفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سِرّاً، ثم يذكرها فتُمحَى فتكتب له علانية ثم يذكرها فتُمحَى فتكتب رِياءً».
وروي في كتاب عيون أخبار الرضا× ج٢ ص٣٨ عن أمير المؤمنين× أنه قال: «ثلاثٌ مِن كنوز البِر: إخفاء العمل، والصبر على الرزايا، وكتمان المصائب».
٣) أن يكون العمل صحيحاً: روي في بحار الأنوار ج٩٣ ص١٥٠ سئل الإمام الصادق× عن قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾.
فقال×: «ليس يعني أكثركم عملًا ولكن أصوبكم عملًا وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة».
٤) أن يكون العمل مقرونًا بالعلم: روي في كتاب تحف العقول ص٣٧٨ عن الإمام موسى بن جعفر× أنه قال: «قليل من العمل من العاقل مقبول مضاعف وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود».
الجهل: ضد العلم.
٥) أن يكون العمل موافقا لما حث الله عليه وأمر به رسوله: قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
٦) أن يكون العمل الصالح مقرونا بالإيمان: قال الله تعالى في سورة النحل آية ٩٧: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وهناك ثمرات كثيرة للعمل الصالح ومن هذه الثمرات ما يلي:
١) العمل الصالح يُمهِّد لصاحبه في الجنة: رأي في بحار الأنوار ج٧١ ص١٨٥ عن أبي جعفر الباقر× أنه قال: «إن العمل الصالح يذهب إلى الجنة فيُمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له»، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُۥ وَمَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾.
٢) العمل الصالح يُدْخِلُ صاحبه في الصالحين: قال الله تعالى في سورة العنكبوت آية ٩: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾.
وهنا أمران مهمان حول الصالحين وهما ما يلي:
أولاً: أن الدخول في الصالحين هو ما يطلبه الأنبياء والمرسلين كما بيَّن القرآن ذلك على ألسنتتهم:
قال الله تعالى في سورة النمل آية ١٩ على لسان نبي الله سليمان×: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.
قال الله تعالى في سورة يوسف آية ١٠١ على لسان يوسف×: ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.
ثانياً: أن الصالحين هم أهل البيت^ والقرآن خير شاهد على ذلك قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
الصالحون: هم أهل البيت^ جاء في تفسير القمي في تفسير قوله تعالى: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
قال في تفسيرها: «الصالحون: هم القائم وأصحابه».
٣) العمل الصالح مقبول عند الله: قال الله تعالى في سورة فاطر آية ١٠: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾.
قال ابن عباس حبر الأمة: «الكلم الطيب: ذِكر الله. والعمل الصالح: أداء الفرائض. فمَن ذكر الله ولم يؤدِّ فرائضه رُدَّ كلامه بالله لا يقبل الكلم الطيب إلا إذا كان معه عمل صالح».
٤) العمل الصالح يسبب الحصول على الدرجات العاليات: قال الله تعالى في سورة طه آية ٧٦ ـ ٧٧: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّىٰ﴾.
وفي الحديث القدسي: «أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».
وقال الله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾.
٥) العمل الصالح يسبب الاستخلاف في الأرض: قال الله تعالى في سورة النور آية ٥٥: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾.
٦) العمل الصالح يسبب حفظ المال لأيتام صاحب العمل الصالح: قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾.
فحفظ كنز اليتيمين بسبب صلاح عمل والدهما فحفظ في نفسه وولده وإن بعدوا عنه.
٧) التبشير بدخول الجنة: قال الله تعالى في سورة البقرة آية ٢٥: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾.
٨) تكفير السيئات: قال الله تعالى في سورة العنكبوت آية ٧: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
٩) حسن العاقبة: قال الله تعالى في سورة الرعد آية ٢٩: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾.
١٠) العمل الصالح يدوم ويبقى: قال أحد الشعراء:
الناس همهم الحياة ولا أرى *** طول الحياة يزيد غير خيالِ
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد *** ذخرا يدوم كصالح الأعمالِ
والشرط المهم في العمل الصالح أن تداوم عليه على الأقل سنة ورد في مستدرك الوسائل ج١ ص١٣٠ عن الإمام الصادق×: «من عمل عملا من أعمال الخير فليداوم عليه سنة ولا يقطعه دونها».
والعمل الصالح كما يصدر من الرجل يصدر من المرأة بل قد تتفوق المرأة على آلاف الرجال وخير مثال على ذلك السيدة أم البنين÷ فإنها من النساء الصالحات المذكر شيئا من صفاتها:
١) زرعت في نفوس أولادها بذرة الولاء والمودة وآل محمد: ولذلك يقول أحد الشعراء المعاصرين:
وتزرعُ في أولادها بذرة الولا *** لآل رسول الله أهل المكارمِ
وتخبرهم أنَّ الولاء لحيدرٍ *** وللسادة الأطهار من آل هاشمِ
فهم حجة الجبار بل خِيرةُ الورى *** وخِيرته مِن عُربها والأعاجمِ
٢) تلجأ في جميع أمورها إلى الله: ولذلك يروي المؤرخون أنها نظرت كانت تلاطف ولدها العباس× وتُرقِّصه فَرَاقَ لها حُسنه وأعجبها جماله فخافت عليه من العين وخشيت عليه من الحسد فصارت تقول:
أعيذه بالواحد *** من شر كل حاسد
ثم قرأت عليه المعوذتين، لذلك يقول بعض الشعراء المعاصرين:
تُعوِّذُ عبَّاسًا بآيات ربها *** لتحفظه من كل واشٍ وحاسدِ
وتُرقيهْ بالآيات والسور التي *** تواتر فيها القول عن آل أحمدِ
وذلك من إيمانها ويقينها *** بأن إله الكون خير مسددِ
وأنَّ كتاب الله خير وسيلة *** لإهلاك جبار وكل معاندِ
٣) قدمت أولادها فداء لأبناء الزهراء وكانت تقول: «الحمد لله الذي جعل ولدي فداء لابن فاطمة».