إنكار بعض الفِرق لإمامة الحسن العسكري عليه السلام
الشيخ حسين آل إسماعيل
يدورُ البحث حول ثلاث نقاط رئيسة وهي ما يلي:
١/ مَا اسم الفرقة التي أنكرت إمامة الإمام العسكري×؟
٢/ ما هي الأوجه في فساد قولهم ورأيهم؟
٣/ ما هو دور الإمام العسكري× تِجاه ادِّعاءتهم الباطلة؟
والآن نُفصِّل الحديث حول كل نقطة من النقاط السابقة كما يلي:
الفِرقة التي أنكرت إمامة الإمام الحسن العسكري× تُسمى (المُحمديَّة) وسمِّيت بذلك الاسم لأنهم اعتقدوا بإمامة أبي جعفر محمد بن الإمام علي الهادي المدفون في (بلد) حيث له قبر معروف.
ويدل على فساد قولهم وبطلانهم رأيهم وعدم نهوض حجَّتهم عدة أمور وهي ما يلي:
١/ عدم وجود النَّص والبرهان والدليل الذي يثبت مدَّعاهم ويدل على حجتهم.
٢/ ثبوت النصوص الدالة على إمامة الحسن العسكري× وهي على قسمين وهما ما يلي:
القسم الأول/ النصوص الصادرة عن النبي الأعظم‘ وعن المعصومين^ والتي تصرح بتعيين أوصياء النبي الأعظم‘ وخلفائه مم عترته واحدا بعد واحد بأسمائهم وأوصافههم وألقابهم، بشكل ينفي الشك عن القلوب، ويجلو العمى عن البصائر وسنذكر حديثين وهما ما يلي:
الحديث الأول/ عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى× قصيدتي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل *** ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا× بكاء شديداً ثم رفع رأسه إلي فقال لي: «يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟».
فقلت: لا يا مولاي، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد، ويملأها عدلا كما ملئت جوراً.
فقال×: «يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره».
إكمال الدين للصدوق ٣٧٢/ ٦ باب ٣٥.
القسم الثاني/ نص أبيه على إمامته وهناك نصوص كثيرة صدرت عن الإمام الهادي× في النص على إمامة ولده الإمام العسكري× وهي على أقسام:
أ/ عينه بكونه هو الذي يصلي عليه: عن عبد الله بن محمد الأصفهاني قال: قال أبو الحسن الهادي×: «صاحبكم بعدي الذي يصلي علي».
قال عبد الله بن محمد الأصفهاني: «ولم نعرف أبا محمد الحسن العسكري× قبل ذلك قال: فخرج أبو محمد الحسن العسكري فصلى عليه».
أصول الكافي للكليني ١ : ٣٢٦ / ٣.
ب/ عينه بصفته الأكبر: عن علي بن مهزيار قال: قلت لأبي الحسن الهادي×: إن كان كون ـ وأعوذ بالله ـ فإلى من؟ قال×: «عهدي إلى الأكبر من ولدي».
وكان الإمام الحسن العسكري× أكبر ولد الإمام الهادي×.
أصول الكافي للكليني ١: ٣٢٦ / ٦.
ج/ يعينه باسمه الشريف: عن علي بن عمر النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن العسكري× في داره، فمر عليه أبو جعفر، فقلت له: هذا صاحبنا؟ فقال×: «لا صاحبكم الحسن».
٣/ ثبوت موت أبي جعفر محمد بن الإمام الهادي× موتاً ظاهراً معروفاً، وقد ورد الخبر متواتراً، ومن هنا قال شيخ الطائفة: «وأما المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي الهادي وأنه حي لم يمت، فقولهم باطل لما دللنا به على إمامة أخيه الحسن بن علي العسكري× أبي القائم×، وأيضاً فقد مات محمد في حياة أبيه موتاً ظاهراً، كما مات أبوه وجده، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات».
الغيبة للطوسي: ١٩٨ ـ ٢٠٠.
٤/ شهادة المخالفين بإمامة الحسن العسكري× وإقرارهم بفضله، ومن هؤلاء ما يلي:
أ/ المعتمد العباسي: لما جاءه جعفر بن الإمام الهادي بعد وفاة أبيه× ملتمساً دعم السلطة له في دعواه الإمامة، فقال له المعتمد: إن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنما كانت بالله، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه، وكان الله يأبى إلا أن يزيده في كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة، وحسن السمت، والعلم والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته، فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته، ولم يكن فيك ما كان في أخيك، لم نغن عنك في ذلك شيئاً.
الخرائج والجرائح للراوندي ٣: ١١٠٩.
ب/ عبيد الله بن يحي بن خاقان: وهو من رجال البلاط وكان للإمام الحسن العسكري× مجلس معه، فتعجب ابنه أحمد بن عبيد الله لما رأى مظاهر الحفاوة والإكرام والتبجيل التي حظي بها الإمام عند أبيه عبيد الله فقال له: يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبيك؟.
فقال له عبيد الله: يا بني ذاك إمام الرافضة، ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة، ثم قال: يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، وإن هذا ليستحقها في فضله وعفافه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه.
وأما موقف الإمام العسكري× تجاه هذه الادعاءات الباطلة فيتخلص في أمرين:
الأمر الأول/ الرسائل والتوقيعات التوجيهية التي بعثها عن طريق وكلائه والتي تحتوي الدعوة إلى التمسك بمبادئ الإسلام والاعتقاد بإمامته، وكان لتلك الرسائل دور فعال في إزالة شكوك من كان يبحث عن الحجة والبرهان من أهل الشك والارتياب في إمامته فقد روي عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري× فقال: «يا أحمد، ما كان حالكم فيما كان فيه الناس من الشك والارتياب؟» فقلت له: يا سيدي لما ورد الكتاب لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق. فقال×: «أحمد الله على ذلك يا أحمد، أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة وأنا ذلك الحجة».
إكمال الدين للصدوق ٢٢٢/ ٩ باب ٢٢.
الأمر الثاني/إظهار الدلالة فقد طالب بعض المشككين من الإمام العسكري× بالدلالة، روى المسعودي بالإسناد عن الربيع بن سويد الشيباني قال: حدثني ناصح البارودي، قال: كنت إلى أبي محمد العسكري× أعزيه بأبيه الهادي× وقلت في نفسي وأنا أكتب: لو أخبر ببرهان يكون حجة لي. فأجابني عن تعزيتي، وكتب بعد ذلك: «من سأل آية أو برهانا ًفأعطي، ثم رجع عمن طالب منه الآية، عذب ضعف العذاب، ومن صبر أعطي التأييد من الله، والناس مجبولون على جبلة إيثار الكتب المنتشرة، فاسأل السداد، فإنما هو التسليم أوالعطب، ولله عاقبة الأمور».
إثبات الوصية للمسعودي ٢٤٧.