طاعة الله تعالى والرسول (ص)
خطبة الجمعة
مسجد الإمام الرضا×
الحمد لله رب العالمين، ديان يوم الدين، خالق الخلائق أجمعين، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الرسول الأمين، وأصلّي وأسلم على آله الطيبين الطاهرين.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن التقوى درع الله الحصين، والزهد في الدنيا طريق الآمنين. قال الإمام الزكي×:
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني *** وشربة من قراح الماء تكفيني
وطمرة من دقيق الثوب تسترني *** حياً وإن متّ تكفيني لتكفيني([1])
وقال×:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها *** إن المقام بظل زائل حمقُ([2])
قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾([3]).
والطاعة هي الغاية التي خُلق من أجلها الإنسان والجان، يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([4]). وهي تعني الانقياد والخضوع الكامل لله سبحانه، نابعة من حب الله وخشيته والرغبة إليه.
وقد حثت جملة من الآيات الكريمة على طاعة الله والرسول، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([5]). ونلاحظ هنا أن الآية الكريمة تحدثت عن أمرين:
الأول: طاعة الله جلّ وعلا بأن يأتي المكلّف بكل ما فرض الله تعالى عليه، ولا يخالف أمره سبحانه.
الثاني: طاعة الرسول|، قال سبحانه: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا﴾([6]).
وبهذا يتبين تأكيد القرآن الكريم على أن طاعة النبي هي طاعة الله؛ لأن النبي لا يخالف ربه؛ ولذلك فإن كل ما يصدر عنه فهو حجة. ثم تبين الآية الكريمة أنه| ليس مسؤولاً عن الذين يخالفون أوامره، كما أنه ليس مكلفاً بإجبارهم على ترك المعصية، بل إنه مسؤول فقط عن الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس: ﴿وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾([7]).
وما قام به الرسول| في معركة أحد هو تجنيدهم بما يتمكن من القوة العسكرية، والخطة المناسبة لحفظهم من العدو، وتراجع بعضهم عصياناً أدى إلى تراجع المسلمين، فكانت المسؤولية عليهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([8]).
أهل البيت
ومن هذا المنطلق قلنا أيضاً بوجوب طاعة أهل البيت^ وهو ما أكد عليه حديث الثقلين: «إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً»([9]).
لقد أوجب الله تعالى طاعة الأئمة^؛ بصفتهم خلفاء الرسول، ورواد الفكر الإسلامي الذي يضيء للمسلمين طريقهم، ولأنهم هم النهج الأصيل والمفزع في كل ملمة، وفي الزيارة الجامعة: «ومن وحده قبل عنكم»([10]).
كما إن الأمر بطاعتهم دليل عصمتهم عن الآثام، فالطاعة المطلقة لا تكون إلّا للمعصوم الذي طهّره الله تعالى دون العباد، فهم لا يحيدون قيد أنملة عن خطّ الله تعالى، وعن خط الرسول|.
ووالِ أناساً قولهم وحديثهم *** روى جدنا عن جبرئيل عن الباري([11])
وقد روى زرارة عن فضل موالاة الأئمة^ عن أبي جعفر× قوله: «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة،و الزكاة، والصوم، والحج، والولاية». قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ قال: «الولاية؛ لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن»([12]):
ولايتي لأمير النحل تكفيني *** عند الممات وتغسيلي وتكفيني
وطينتي عجنت من يوم تكويني *** بحب حيدر كيف النار تكويني([13])
وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾([14]).
عدم طاعة زينب بنت جحش لرسول الله(ص)
لقد اشترت أم المؤمنين خديجة÷ قبل البعثة وبعد زواجها بالنبي| عبداً اسمه زيد، ثم وهبته للنبي|، فأعتقه رسول الله|، فلما طردته عشيرته تبناه النبي|، وبعد ظهور الإسلام أصبح مخلصاً متفانياً في خدمة الإسلام والرسول حتى صار قائداً في معركة مؤتة واستشهد فيها. وكان الرسول| يحبّه، فلما أراد تزويجه خطب له بنت عمته زينب بنت جحش. فلماء جاء النبي للخطبة ظنت أنه جاء لخطبتها، ففرحت، فلما تبين أنه يخطبها لزيد حزنت وتأثرت وامتنعت هي وأخوها من القبول والطاعة، فنزلت الآية الكريمة محذرة مخالفة رسول الله| وعدم طاعته. فلما سمعا ذلك سلما لأمر الله ورسوله|، وكسر عرف الجاهلية القائل بعدم تزويج الحرة الشريفة من عبد كان في الجاهلية حتى لو كان ذا مكانة عالية. ولم يدم هذا الزواج طويلاً بسبب عدم الانسجام بين الزوجين، وبعد طلاقها تزوجها رسول الله|، والكلام حول هذا الموضوع في مكان آخر.
إن نتيجة طاعة الله ورسوله فيها السعادة والخير الكثير، ويكفي أن جزاء ذلك الجنة والنعيم الدائم، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾([15]).
(اللهم اكتبنا من عبادك الطائعين، واغفر لنا يوم الدين، وارزقنا شفاعة سيد المرسلين، والحمد لله رب العالمين).
_____________________
([1]) مناقب آل أبي طالب 3: 181.
([9]) بحار الأنوار 2: 100 / 59. فضائل الصحابة (النسائي): 15. المصنف (ابن أبي شيبة) 7: 418 / 41.
([10]) الوافي 14: 1572 / 3213.