اتقوا الله
خطبة الجمعة
مسجد الإمام الرضا×
أم الحمام
22/5/1439هـ
الحمد لله على نعمه، المتفضل بكرمه. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأشهد أن آله حجج الله على عباده واُمناؤه في بلاده.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، واجتناب معصيته، فإن التقوى درع الله الحصين، وتذكروا الموت والقبور، فإنه أعظم الواعظين، قال زين العابدين×:
«فهم في بطون الأرض بعد ظهورها *** محاسنهم فيها بوالٍ دواثرُ
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم *** وساقتهُمُ نحو المنايا المقادرُ
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها *** وضمتهُمُ تحت التراب الحفائرُ([1])
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾([2]).
لقد أمرتنا الآية الكريمة بأمرين مهمين يتوقّف عليهما سعادة الإنسان وفلاحه:
الأمر الاول: تقوى الله تعالى، وهو مأخوذ من الوقاية، أي افعلوا الوقاية. وحقيقة التقوى هي: تحقيق مقام العبودية، أي فعل كل ما يرضاه الله ويحبه، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([3]). وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([4]). وقال سبحانه: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([5]). وقال تعالى: ﴿خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([6]).
إن هذه الآيات الكريمة تحثنا على تقوى الله تعالى، ومن أعظم درجات التقوى توحيده سبحانه، قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ﴾([7]). وكذلك الإخلاص له سبحانه، وعبادته وطاعته، قال سبحانه: ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾([8])، ومنه ترك معصيته ومخالفة نواهيه، وخشيته سبحانه وتعالى، وأن نجعله تعالى نصب أعيننا في كل شيء.
ومحل التقوى قلب الإنسان، قال سبحانه: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾([9])، بأن يجعل قلبه دائماً نظيفاً طاهراً خاشعاً خاضعاً لله سبحانه، غير ملوث بالمعاصي والذنوب، قال سبحانه: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾([10]). وقد سأل ابن عيينة الإمام الصادق× عن القلب السليم المذكور في الآية: ماهو؟ فقال×: «القلب السليم هو الذي يلقى الله وليس فيه أحدٌ سواه»([11]).
ومن تعلُّق القلب بالله تعلق بمحبوبه. قال الصاحب بن عباد:
لو شقّ قلبي لرأوا وسطه *** سطرين قد خطا بلا كاتب
العدل والتوحيد في جانب *** وحب أهل البيت في جانب([12])
وقد بيّن الله تعالى في عدة مواضع من القرآن الكريم كيفية تحقيق التقوى، قال تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾([13]).
وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([14]).
بهذه الأعمال الطيبة، وبهذا السلوك المتميز، وبهذه الاستقامة النيرة والمعارف الجمة والروح الراقية والقلب المضيء تتحقق التقوى، ويرضى الله عن عبده، ويفتح له آفاق السماء وبركات الأرض، ويكون مثلاً أعلى لأهل الهدى والفلاح.
نتائج التقوى في الدنيا
أولاً: أنها سبب لقبول الأعمال: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾([15]).
ثانياً: أنها سبب للفلاح: ﴿وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([16]).
ثالثاً: أنها السبب في ولاية الله لعبده: ﴿وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾([17]).
رابعاً: أنها السبب لغفران الذنوب: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾([18]).
خامساً: أنها السبب لرد كيد الأعداء: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾([19]).
سادساً: أنها من علامات شكر العبد لربه: ﴿فَاتَّقُواْ اللهََ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾([20]).
سابعاً: أنها سبب كون الله مع عبده، فمن اتقى الله كان الله معه: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾([21]).
نتائج التقوى في الآخرة
إن المتقي يحصل في الآخرة على كثير من الجزاء، وفيها يُكرمُ المرء أو يهان، قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾([22]). وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾([23]). وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾([24]). وقال جل وعلا: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾([25]). وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ﴾([26]). وقال سبحانه: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهَ الْمِيعَادَ﴾([27]).
(اللهم نبهنا من نومة الغافلين، واغفر لنا خطايانا يوم الدين، وأعنّا على أنفسنا برحمتك يا أرحم الراحمين).
____________________
([1]) مناقب آل أبي طالب 3: 292.