الشيخ الوائلي ريادة في تطوير المنبر الحسيني ـ 03

img

العلامة الشيخ حسن الصفار

السمة الثانية: رسالة الوحدة والوئام:

فشيعة أهل البيت لا يعيشون وحدهم في صحراء نائية، ولا يمكنهم الانعزال عن محيطهم، ومجتمعات أوطانهم، وعالم اليوم تحوّل إلى قرية واحدة.

والمنبر الحسيني يجب أن يوجه الجمهور الشيعي إلى الانسجام مع محيطه، في الوقت الذي يتحمل فيه المنبر مسؤولية الدفاع عن خط أهل البيت، ومنهجهم الإسلامي الأصيل.

لقد أدرك الشيخ الوائلي مدى الحاجة في ساحة الوطن العربي إلى توضيح معالم مدرسة أهل البيت، وتبيين حقيقة مواقفهم، وآرائهم العقدية والفقهية، في مواجهة حملات التشويه والتعتيم، التي تغذيها قوى سياسية ومصلحية، لا تريد الاستقرار والوحدة لشعوب المنطقة وأمة الإسلام.

لكن الشيخ الوائلي اعتمد منطق الاعتدال في بحث قضايا الخلاف المذهبي، دون أي إثارة أو إساءة للطرف الإسلامي الآخر.

إنه يرد الشبهات، ويفنّد الاتهامات، ويوضح الحقائق، بمنطق علمي موضوعي، وبأسلوب الاعتدال والاحترام، وضمن إطار الدعوة إلى التعارف والتفاهم والتعاون، حفاظاً على وحدة الأمة، ومصلحة الأوطان والشعوب.

إن مواجهة الفتن الطائفية، والإثارات المذهبية، لا يصح أن تتم بمثل الأساليب السيئة التي يستخدمها الجاهلون والمغرضون، بالتحريض المتبادل، والتعبئة المضادة، بالسب والشتم لرموز الطرف الآخر، وذكر المثالب والمطاعن.

إن ذلك يكرّس الفتنة، ويحقق أهداف الأعداء في تمزيق الأمة، وإضعاف الدين، بمختلف مذاهبه.

وبمنهجيته العلمية، ومنطق الاعتدال، أحرز الشيخ الوائلي نجاحاً باهراً لصالح الوحدة، والانتصار للحقيقة، وإنصاف مذهب أهل البيت^.

ومن مؤشرات هذا النجاح التقدير الذي حظي به في الأوساط العلمية والثقافية من مختلف المذاهب، حيث يحرص كثيرون منهم على متابعة محاضراته والاستماع لخطاباته.

وقد حدثني بعض العلماء السلفيين، والشخصيات المسؤولة في بعض المؤسسات الدينية في السعودية: أنهم يحرصون على الاستماع لمحاضرات الشيخ الوائلي التي تبثها بعض الإذاعات والفضائيات. وكانوا يشيدون بمنهجيته واعتداله وسعة أفقه الثقافي.

ويتحدث الشيخ الوائلي عن هذه السمة في خطابته بقوله: (أقول يجب أن يتبنى المنبر الدعوة إلى أن يتعايش المسلمون فيما بينهم على أساس من الإسلام، مع بقاء كل منهم على ما عنده من آراء، ما دام يقر بالشهادتين، ولا ينكر ضرورة من الضرورات الإسلامية، وإلا فليس من الواقعية في شيء، أن ندعو المسلم إلى الانسلاخ مما يحمله من آراء والانتقال إلى الآراء المقابلة، ولكن تشرح له الحقائق، ويُدعى لدراستها، ويترك له الاختيار والسير حسب قناعاته، وحسابه بعد ذلك على الله، وإليه وحده، إننا ندعو إلى منبر من بعض مهماته بل وفي رأس مهماته القيام بدور الدعوة إلى التعايش تحت لواء الإسلام) . [المصدر نفسه، ص44.]

(من الأمور التي عملتها، وأكدت التجارب صوابها، وجنيت ثمارها: الانفتاح على تراث المذاهب الإسلامية الأخرى، والتفاعل معها نقداً وتقييماً، بأعصاب هادئة، وموضوعية تامة، واتباع للدليل لا لقسر الدليل على اتباعك، وقد برهنت لي التجارب أن هذا المنهج مثمر وفاعل في تذليل العقبات أمام الاتجاهات الإسلامية، ومزيل لكثير من اسباب سوء التفاهم، وفي الوقت ذاته يعطي ثمرات أخرى، منها: إعطاء وزن للمنبر، بكونه منفذاً للفكر الإسلامي يشكل قدراً مشتركاً. ومنها: أنه يضع الخطيب موضع الصاعد إلى مستوى آداب الإسلام وخُلق القرآن. ومنها: أن النفوس تنفتح أمامه، وتصغي إلى طروحاته، بل يكون السامع عوناً لك على الراي المقابل، متى ما لمس أنك بعيد عن التشنج، كل ذلك قد لمسته بنفسي، وجنيت ثماره، وفتح أبواباً للحوار مع الآخرين، ولجت منها إلى تصحيح كثير من الأفكار المأخوذة عنا خطأً) . [المصدر نفسه، ص152.]

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة