الشيخ الوائلي ريادة في تطوير المنبر الحسيني ـ 01
العلامة الشيخ حسن الصفار
ترجل الفارس الذي تسنم ذروة المنبر الحسيني لأكثر من نصف قرن من الزمن. وانطفأت الشعلة الوقادة التي أضاءت دروب الفكر والمعرفة، أمام الجماهير العاشقة لدينها وللعترة النبوية الطاهرة.
وسكت الصوت المجلجل بالدفاع عن الحق، والدعوة إلى الحقيقة، عبر خمسة عقود مليئة بالأحداث والتطورات الخطيرة.
وانطوت تجربة رائدة في تطوير الخطاب الديني الجماهيري، والقفز بأداء المنبر الحسيني ليكون في مستوى التحديات المعاصرة.
نعم، رحل الدكتور الشيخ أحمد الوائلي تاركاً فراغاً كبيراً، في وقت تشهد فيه المنطقة بشكل عام، والساحة العراقية بشكل خاص منعطفاً مصيرياً حاسماً، تشتد فيه الحاجة إلى الكلمة الواعية، والفكرة الهادية، والرأي الحكيم.
فارقنا الشيخ الوائلي مخلّفاً في القلوب أسىً ولوعة، تحكي عميق المحبة والتقدير لشخصيته النبيلة، ودوره الريادي.
إن العنوان الأساس لشخصية الشيخ الوائلي هو الريادة في تطوير خطاب المنبر الحسيني، هذا المنبر العريق في تاريخ ووجدان المجتمعات الشيعية، حيث تهفو له القلوب، وتلتف حوله الحشود، وخاصة في أيام عاشوراء لتجديد ذكرى شهادة أبي عبدالله الحسين بن علي×، وكذلك إحياء مختلف مناسبات أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين.
ويضطلع هذا المنبر الحسيني بمهمتين رئيستين:
المهمة الأولى: هي التوجيه الداخلي في أوساط أتباع أهل البيت^، لتركيز ولائهم لأئمتهم الهداة^، وتبصيرهم بمعالم دينهم، وتعريفهم بسيرة الأئمة وتوجيهاتهم، ليكون الحب والولاء دافعاً للاتباع والاقتداء.
والمهمة الثانية: هي تقديم الصورة المشرقة لخط أهل البيت^ ومدرستهم أمام الآخرين، وخاصة مع ظروف التعتيم ومحاولات التشويه التي تراكمت عبر التاريخ ضد منهج أهل البيت^.
لكن خطاب المنبر الحسيني كان يعاني من الركود والجمود على الأساليب التقليدية التي انتجتها ظروف ثقافية واجتماعية سابقة، مما أضعف دوره وتأثيره، وقدرته على مواجهة التحديات المعاصرة.
وهنا تأتي اهمية الدور الذي أنجزه الشيخ الوائلي في إحداث نقلة نوعية في أداء المنبر الحسيني، وتطوير خطابه في المضمون والأسلوب، فقدم بذلك تجربة رائدة، شق بها الطريق لبروز جيل من الخطباء الواعين الذين استلهموا هذه التجربة الثرية، واستفادوا من عطائها الكبير.
وهذا الجيل الجديد من الخطباء المتأثرين بمدرسة الشيخ الوائلي مطالب اليوم بالاستمرار في تطوير التجربة، وعدم الوقوف بها عند مستوى معين، فمسيرة التغيير سريعة في عالم اليوم، والشيخ الوائلي مدرسة ومنهج وليس نهاية وسقفاً.
وقد أشار الشيخ الوائلي ضمن كتابته عن تجربته المنبرية إلى هذه الحقيقة حيث كتب ما نصه: (يجب الالتفات هنا إلى أني عشت زمناً لم يعش فيه من سيأتي، أو من هو في بداية عمره، إن كل سنة جديدة تطل على أوضاع متجددة ومتطورة، سواء كان هذا التطور للأفضل أو للأردأ، ولكنه على كل حال يفترض فيه أن يغير ما كان مألوفاً، وبناء على ذلك فقد يكون منهجي متخلفاً بالقياس إلى ما يحتاجه العصر، فيأتي من يبتكر منهجاً أفضل ، وطريقة أجدى) . [أحمد الوائلي، تجاربي مع المنبر، الطبعة الأولى 1998م، (بيروت: دار الزهراء)، ص180.]
يتبع…