التضحية في سبيل الله ـ 09

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

نشأة التصوف وتسميته وأثر الفلسفة عليه

وكما هو بيّن فإن هذا البحث يدور حول محاور ثلاثة:

المحور الأول: آراء في تسمية الصوفية

إن البعض من الباحثين في هذا المجال يذهبون إلى أن هذه التسمية إنما ألصقت بهذه الشريحة من الناس بناء على مشاهدات ميدانية يمكن إيجاز بعضها بالتالي:

الرأي الأول: الصلاة في الصف الأول

إن أصحاب هذا الرأي يذهبون إلى أن هؤلاء إنما سموا بالصوفية كونهم كانوا يصلون في المساجد في الصف الأول من صفوف الجماعة؛ ونتيجة مواظبتهم على هذه الصلاة في الصف الأول تشكلت منهم هذه المجموعة التي راحت تضع لها بعض النظريات والأفكار والرؤى لتنظيم طريقتها في العبادة والتعامل مع الله سبحانه وتعالى، ومع الإنسان والحياة، بل إنها راحت تصب كثيراً من تعاليم الدين في قوالب ابتدعتها هي من أجل تأييد الطريقة التي هي عليها.

الرأي الثاني: نقاء القلب

أي أن هؤلاء إنما سموا بالصوفية؛ لأن قلوبهم كانت صافية نقية متعلقة بالله تبارك وتعالى فقط، منقطعة إليه وحده دون أن يلجها أو يداخلها أو يساورها أي تعلق بأي شيء من أمور الدنيا أو لون من حطامها وفانيها. فهؤلاء إذن نقيت سرائرهم، وصفت قلوبهم، وأصبحت متعلقة بالله سبحانه وحده دون أن تكون متعلقة بغيره من المعبودات كالمال والغرائز والشهوات وحب الرئاسات وما إلى ذلك.

مناقشة

ولو أننا نظرنا بعين الفاحص البصير إلى هذين الرأيين لوجدنا أنهما غير ناهضين، ولا هما برأيين علميين، ولا يمتّان إلى الواقع بصلة أبداً؛ فهما إذن رأيان غير ناهضين، ولا يصوران هذا التوجه عند هؤلاء حق تصويره، أو يعطيه حقه من التسمية. وهذا هو الذي نراه، ونرى أنه هو الحق، وأنه الحقيق بالاتباع؛ لأن هناك بوناً واسعاً، وفرقاً شاسعاً بين المشتق منه والمشتق له، أو بين العلة وبين مورد هذه العلة في التسمية.

الرأي الثالث: لباس الصوف

أما الرأي الأصح في المسألة وهو الذي نرى أنه أقرب الآراء إلى الواقع وأصحها أن هؤلاء إنما سموا صوفية لأنهم كانوا يلبسون الصوف دائماً، جاعلين منه شعاراً لحركتهم السلوكية، وطريقتهم العبادية هذه؛ لأن الصوف عادة يكون خشناً يؤذي الجسم إذا ما لامسه مباشرة. فكأن هؤلاء أرادوا أن يشعروا الناس بأنهم يريدون أن يبتعدوا عن لذائذ الدنيا وسرّائها، وما انطوت عليه من ملاذّ حتى على مستوى ما يلامس أجسامهم. فهم إذن يلبسون الصوف حتى يستشعروا خشونته وأذاه كل لحظة، وكل ذلك في سبيل الله تبارك وتعالى.

ومن هنا فإنهم كانوا يظهرون للناس بأنهم إنما يلبسون مدارع من الصوف الخشن الذي كما ذكرنا يؤذي الأجسام بخشونته إذا لم يفصل بينه وبين الجسم بثوب ناعم، أو شيء غير الصوف.

يتبع…

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة