التضحية في سبيل الله ـ 08

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

المبحث الثالث: المراد من الفقراء

إن آية المقام الكريمة إذ تقول: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ فيه إنما تكون في مقام معالجة هذه الظاهرة بعد تحديد هذا الفقير في المجتمع؛ ولذا فإن معالجتنا لهذه المسألة من خلال هذا المبحث تستند إلى محاولة جادّة يطرحها المشرّع الإسلامي الأقدس لعلاج هذه المعضلة من خلال التواصل الفعّال مع أثرياء المجتمع، وفرض ضرائب ماليّة عليهم، وإقناعهم بضرورة التخلّي عن هذا الجزء الضريبي المفروض على أموالهم وممتلكاتهم للصالح العام، وبيان أن في ذلك مردوداً إيجابياً على المجتمع وعليهم في الدنيا والآخرة. وهذا الطرح الإسلامي سوف نتناوله إن شاء الله تعالى من خلال البحثين الشريفين التاليين:

البحث الأول: أهل الصفّة

كان في المدينة المنورة شريحة من المسلمين ممن نزحوا وهاجروا إليها فقراء معدمين لا يملكون من الدنيا ولا من حطامها شيئاً بعد أن هاجروا خوفا على دينهم ومعتقداتهم من أبناء جلدتهم، فهاجروا دون أن يحملوا معهم شيئا من متاع الدنيا، ولما وصلوا يثرب وصلوها معدمين لا يملكون ما يقتاتون به، ولا ما يشترون به ما يلبسونه. فكانت حالتهم مزرية، ولم يكن للرسول الأكرم| وهو الرحوم الشفوق الذي عينه ساهرة دائما على أتباعه أن يتركهم هكذا.

فكان أن جمعهم نبيّنا الأكرم|، وأقطعهم مكاناً في المسجد النبوي المشرف ليسكنوا فيه وليصلهم ما يمكن أن يصلهم من طعام أو شراب أو ملبس من المسلمين.

ثم بعد أن وقعت بعض الحروب بين النبي الأكرم× وعتاة البشرية، وحدثت لبعض المسلمين جراحات أو إعاقات بدنيّة حالت دون أن يمارسوا نشاطهم اليومي بشكل طبيعي، ودون أن يتمكّنوا من أن يقوموا بعمل ما، أو أن يعتمدوا على أنفسهم في تحصيل كسبهم وأرزاقهم. وانضم هؤلاء إلى أصحاب الصفة أيضا فكانوا معهم في حالهم، وفي نوالهم. وعلى أية حال فالنبي الأكرم| بعد أن جمع هؤلاء كلهم في هذا المكان راح يجري عليهم ما يستطيع إجراءه من طعام ومتاع ولباس وما إلى ذلك إضافة إلى ما كان يجريه المسلمون عليهم مما يفضل عن نفقتهم مما كان يتيسر بين أيديهم.

البحث الثاني: بين أهل الصفة والصوفية

تشير بعض الدراسات لباحثين متأخرين إلى أن أبناء الطريقة الصوفية يرجعون في أصولهم إلى أهل الصفة، وأن اسم الصوفية مشتق من هذا الاسم، ولذا فإننا نجد أن البعض من أبناء الشعوب كما في الشام في تلك الأزمنة يسمون الصوفية بالفقراء. وهذا الاستنتاج في واقع الأمر غير علمي ولا منطقي ولا ناهض؛ لأن الاشتقاق هنا مبني على أسس غير علمية أو واقعية، ولا تمت لواقع أولئك الذين عاشوا أيام النبي| بأية صلة، فأن نشتق لفظ الصوفية من الصفة لهو أمر بعيد وغير مبتنٍ على أساس علمي رصين يمكن الركون إليه، والوثوق به.

يتبع…

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة