أسرار أدعية الرزق والدين([1]) ـ 01
الشيخ إبراهيم القطيفي([2])
إعداد وتحقيق: دار المصطفى| لإحياء التراث
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ وفقّ بحقّ وليّك الرضا، عليه الصلاة والتسليم.
هذه وريقات فيها أسرار أدعية، تختصّ بأداء الدين وسعة الرزق؛ منها ما نذكر روايته، ومنها ما نقتصر على الحائر المقدّس ـ على مشرّفه أفضل التحيّات، وأكمل الصلوات، وأزكى التسليمات ـ واللهَ أسأل أن ينفع بها من هو لها أهل لحسن توفيقه تعالى، إنه جواد كريم.
ذكره، وتتبعها لطائف لا ينبغي جهلها لأهل المطالب، جمعتها في وقبل الشروع في ذلك اُقدّم مقدّمة نافعة إن شاء الله تعالى. قال الله تعالى حاكياً عن إبراهيم ـ عليه وعلى نبيّنا وآله الصلاة والسلام ـ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([3]).
إن قلت: إذا كان الرزق مقسوماً ومكتوباً، فما معنى طلبه؟.
قلت: طلب ما هو مكتوب وابتغاؤه مأمور به، قال تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾([4]). وله سرّ، بل أسرار، منها تذّلل النفس بالطلب الّذي هو مبعد عن الاستكبار، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ بعد قوله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾([5])، فجعل الدعاء عبادة، وجعل تركه استكباراً.
ومنها عدم الغفلة عن مقتضي الحاجة، فإنه موجب للطغيان المرويّ، قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾([6]).
ولا شكّ أن من يكون دائماً في الطلب بعيد عن الطغيان؛ لحاجته إلى مَنْ يطلب منه الزيادة أو الأصل أو البقاء وعدم الآفة إلى غير ذلك.
ومنها دوام الذكر؛ لكونه مرزوقاً والحقّ رازقه، وهو اعتراف بالعبوديّة، وثناء على المعبود.
ومنها مناجاة الحقّ تعالى والتفكّه([7]) بمخاطبته والتوجّه إليه، فإنه يفيد كمالاً واستعداداً.
ومنها جواز كون دعائه سبباً لرزق معين، إمّا حلالاً محضاً، أو ميّسراً من غير نكد، أو قريباً غير بعيد، أو معجّلاً غير مؤجّل. وكونه مقسوماً لا ينافي ذلك؛ إذ يجوز عندنا أن في العلم الأزليّ قسماً مع الدعاء. ومن المعلوم أنه لا شرط في علمه تعالى لانكشاف وقوع الشرط وعدمه عنده، لكن جواز ذلك بالنسبة إلينا كان في العمل، وعليه ـ عند التحقيق ـ تبتني أكثر العبادات.
ومن هذا الباب الضرب في الأرض لطلب الرزق، فإن الرزق مقسوم، [لا يزيده]([8]) طلبه بنحو ممّا ذكرنا.
نعم، يجب على الطالب ألّا يعتقد أن الطلب هو السبب في التحصيل، بل الله تعالى هو الرزّاق؛ فتارة يكون الطلب ممّا يحصل بعده الرزق أن يجعله سبباً، أو لعطيته بعده من غير أن يكون له مدخل في السببيّة فالطلب والدعاء […]([9]) يجب حفظه الملك حسب ما أمر، ومنه العطيّة وله المنع، فلا يحسن أن يقال: اُجيب إذ دعوت، ولا: منعت فلم اُجب؛ لأنّ غاية الدعاء لا تتوّقف على الإجابة ولا يدفعها المنع. وكذلك الطلب لا يحسن معه أن يقال: طلبت فأصبت، فلو لم أطلب لم اُصب، ولا: طلبت فحرمت. بل الواجب في الدعاء والسعي قصد الفعل من حيث أمره تعالى وبه تتمّ الغاية، وإليه العطاء والمنع والإجابة والردّ.
ومن هذا يعلم سرّ قوله×: «أجملوا في الطلب»([10])؛ وذلك لأن الغرض يحصل بمسمّاه؛ إذ يصدق معه الامتثال، والله وليّ المبداء والمآل.
وسرّ قوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾([11]).
وذلك لأن الرزق في الحقيقة هو ما علم الله تعالى أنه رزق، وذلك ممّا لا يعتريه نقص ولا تغيير وليس الرزق ما أصبت؛ لأنه قد يكون بلوىً وفتنة، وذلك أنّ الحق تعالى يكتب ما في يد عبده له سنة مثلاً لا أزيد، فإذا انقضت ارتجع العارية، فينفعل العبد لظنّه أنه قد تلف رزقه، وليس ذلك له إلّا مقدار ما كان معه حاضراً. قال عليّ×: «إذا أسفت على ما خرج من يدك، فائسف على ما لم يدخلها».
فصلى الله عليه وعلى آله ما أحسن ما أفاده؛ وذلك لأنّهما سواء في عدم الإدراك.
وفهمْ كونه فيهما سابقاً يقتضي البقاء جهل محض، ألا تَرى أنه [لم يأت قوله تعالى]: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا﴾ إلّا بعد قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾([12]).
هذا في الفوات بعد الحصول، أمّا الفرح به فلأنه غير مأمول أن يكون ممّا يتلف عن قريب، فلا يتلف الفرح به لأنه يقتضي الغم عليه، فلابدّ من تسليم الاُمور لله والوقوف تحت عبودّيته، وجعلها [الطارف والتليد]([13])، قال: ﴿فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾([14]).
وقال النبي| في حجّة الوداع: «أيها الناس ما أعلم [من شيء]([15]) يقرّبكم من الجنّة، ويباعدكم من النار، إلّا وقد [أمرتكم]([16]) به، وحثثتكم على العمل به([17])، وما من عمل يقرّبكم [من]([18]) النار، ويباعدكم من الجنّة، إلّا وقد حذرتكموه([19]) ونهيتكم عنه. ألا وإنّ الروح الأمين نفث في روعي، أنه لا تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، [فاتقوا الله وأجملوا]([20]) في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه [بغير حلّه]([21])؛ [فإن]([22]) الله تعالى [لا ينال ما عنده إلّا بطاعته، قد]([23]) قسم الأرزاق بين خلقه حلالاً، ولم يقسمها حراماً، فمن اتّقى [الله عزّ وجلّ]([24]) وصبر أتاه [الله برزقه من حلّه]([25])، ومن هتك حجاب السر، وعجّل فأخذه من غير حلّيّة قوصِص([26]) من رزقه الحلال، وحوسبَ [عليه]([27]) يوم القيامة»([28]).
والبحث في هذا الباب واسع يحتمل كتاباً مفرداً، فلا يليق هنا، وفيما ذكرناه كفاية شافية.
يتبع…
________________
([1]) أضفنا بعض الكلمات إلى المخطوط؛ لاقتضاء السياق لذلك، وقد جعلناها بين معقوفين []. هذا وقد ترك المصنف قبل كلّ دعاء نقله بياضاً بمقدار كلمة، وبما أنه سبق أن ذكر في موردين كلمة (فصل) فقد أرتأينا إضافتها وجعلها بين معقوفين [] أيضاً.
([2]) هو الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي الغروي. كان حيّاً عام (944) هـ .
ولد في القطيف، وقدم العراق لطلب العلم عام (913) هـ تلمذ لأجلّة من العلماء منهم الشيخ محمد بن زاهد النجفي وغيره، وتلمذ له السيد شريف الدين المرعشي التستري، وغيره.
يروى أن الإمام صاحب الزمان× دخل عليه في صورة رجل يعرفه وسأله: أي الآيات من القرآن في المواعظ أعظم؟ فأجابه: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ الآية: فصلت 40. فقال×: صدقت يا شيخ. ثم خرج ولم يره أحد.
له: (تعيين الفرقة الناجية)، (الهادي إلى الرشاد) وغيرهما.
انظر ترجمته في: رياض العلماء 1: 15 ـ 19، روضات الجنات 1: 25 ـ 29، أعيان الشيعة 2: 141، 143، أنوار البدرين 245 ـ 250.
([7]) وردت في المخطوط عبارة باللغة الفارسيّة في شرح معنى التفكّه.
([8]) في المخطوط كلمة غير مقروءة، والأقرب ما استظهرناه.
([9]) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
([10]) التمحيص (ضمن كتاب المؤمن): 52 ـ 53 / 100، البحار 100: 35 / 68.
([13]) في المخطوط (الطارق والبلاد) كذا غير منقوط، والظاهر أنه يريد ما استظهرناه.
([15]) من المصدر، وما في المخطوط: «ما اعلم عملاً».
([16]) من المصدر، وما في المخطوط: «نبأتكم».
([17]) قوله: «وحثثتكم على العمل به» ليس في المصدر.
([18]) من المصدر، وفي المخطوط: «إلى».
([19]) قوله: «وقد حذرتكموه» ليس في المصدر.
([20]) من المصدر، وما في المخطوط: «فاجملوا».
([21]) من المصدر، وما في المخطوط: «بمعصية».
([22]) من المصدر، وما في المخطوط: «ان».
([25]) من المصدر، وما في المخطوط: «رزق الله».
([27]) من المصدر، وما في المخطوط: «به».
([28]) الكافي 2: 74 / 2، التمحيص (ضمن كتاب المؤمن): 52 ـ 53 / 100، البحار 67: 960 / 3، وما في الكافي إلى قوله: «بغير حلّه»، والمتبقّي من التمحيص، وليس فيه طرف الحديث.