مِن عِلْم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

img

حسين آل إسماعيل

قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

مَنْ هم أهل الذِّكْر المقصودون في هذه الآية المباركة؟

هناك ثلاث روايات واردة عن أهل بيت العِصمة والطَّهارة تُفسِّر هذهِ الآية المُباركة وهي ما يلي:

الرِّواية الاُولى: رَوَى الشيخ الكليني في كتاب الكافي ج١ ص٢١٠ ما رواه الوشَّاء قال: سألتُ أبا الحسن الرِّضا× عن قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ فقال×: «نحنُ أهلُ الذِّكْر ونحنُ المسؤولون» قلتُ: فأنتم المسؤولون ونحنُ السَّائلون؟ قال: «نعم».

الرِّواية الثَّانية: رُوِيَ في كتاب وسائل الشِّيعة إلى تحصيل مسائل الشَّريعة للحُرِّ العَاملي ج٢٧ ص٧٣ عن أبي عبد الله الصَّادق× في تفسير الآية المُباركة قال: «الذِّكْرُ: هو رسول الله|، وأهل بيته هم المسؤولون وهُم أَهلُ الذِّكر».

الرِّواية الثَّالثة: رَوَى الشَّيخ الكليني في كتاب الكافي ج١ ص٢١١ عن أبي عبد الله الصَّادق× في ذيل تفسيره للآية المُباركة قال: «الذِّكر القرآن، ونحن قومه، ونحنُ المسؤولون».

ومن هنا كان أميرُ المؤمنينَ× يُحِيلُ مَنْ يسأله على ولده الحسن المجتبى×، فقد رُوِيَ في كتاب الاحتحاج للشيخ الطبرسي ص٣٢٢ ـ ص٣٢٣: أقبل أمير المؤمنين× ذات يوم ومعه ولده الحسن المجتبى× وسلمان الفارسي رضوان الله عليه، وأمير المؤمنين× متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس، فأقبل رجلٌ حسن الهيئة واللباس فسلَّم على أمير المؤمنين×، فردَّ×، فجلس ثم قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل، إنْ أخبرتني بهنَّ علمتُ أنَّ القوم ركبوا من أمرك ما أفضى إليهم أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم وإن يكن الأخرى علمتُ أنك وهم شرعٌ سواء. فقال أمير المؤمنين×: «سلني عما بدا لك». فقال الرجل: أخبرني:

١) عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟

٢) عن الرجل كيف يذكر وينسى؟

٣) عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين× إلى أبي محمد الحسن× فقال: «يا أبا محمد أجبه».

فقال أبو محمد الحسن×:

«١) أما ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإن روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإن أذن الله برد تلك الروح على صاحبها، جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء فرجعت فسكنت بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله عز وجل برد تلك الروح على صاحبها، جذبت الهواء الريح فجذبت الريح الروح، فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث».

تعليق: لقد أجاب الإمام الحسن× بإجابة لم بسبق لها مثيل لأنه فصَّل ووضَّح بشكل عجيب لما يلي:

يبدو من الآية المباركة وهي قوله تعالى: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ﴾.

أنَّ الله وكَّل ملائكة بقبض روح الإنسان فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى التي لم يقضِ عليها بدليل: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾.

فالملك موكل لقبض روح الإنسان سواء في المنام أم في الموت، وعندما ينام الإنسان ويأتي الملك ليقبض روحه مؤقتا ففيه معان كثيرة:

أ) أن الروح تلتقي بالملائكة فروحه تحلق في نفحات إيمانية.

ب) أن خروج الروج من الجسد في المنام يشكل دليلاً على البعث ففي كتاب الكامل في التاريخ ج١ ص٥٨٥ عن رسول الله|: «لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون».

فالنوم أكبر دليل على البعث وهو آية من آيات الله قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾.

ج) أن خروج الروح وبقاء الجسد يعبر عن بقاء الروح واضمحلال الجسد فعندما تخرج الروح يبقى الجسد بلا حراك وهذا يدل على اضمحلاله.

«٢) وأما ما ذكرتَ من أمر الذِّكْر والنسيان، فإن قلب الرجل في حُق وعلى الحُق طبق، فإنْ صلى الرجل عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحُق، فأضاء القلب، وذكر ما كان نسي، وإن لم يصلِّ على محمد وآل محمد، أو نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطبق على ذلك الحُق فأظلم القلب، ونسي الرجل ما كان ذكره».

تعليق: الإمام× يركز على الصلاة على محمد وآل محمد صلاة تامة وهي لا تحصل إلا بإضافة الآل وجاء في مسند أحمد بن حنبل ج٤ ص١١٨ فضل الصلاة على النبي حول الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

عندما نزلت الآية جاء الصحابة إلى رسول الله| قالوا: يا رسول الله عرفنا كيف نسلم فكيف نصلي؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد».

ولكننا نجد مَنْ يُخالف فيبترون الصلاة عِلمًا أن النبي قال: «لا تصلوا علي الصلاة البتراء». فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: «تقولون: اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد».

«٣) وأما ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله، فإن الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب فأسكنت تلك النطفة جوف الرحم، خرج الولد يشبه أباه وأمه، وإن أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب، اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق، فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام، أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال، أشبه الولد أخواله».

تعليق: ويستفاد من جواب الإمام الحسن× عدة أمور:

أ) هذا الجواب فيه أمور تخص العلاقة الوراثية بين المولود وأقربائه فالزوجة لها الأثر في انتقال الصفات الوراثية من قِبَل أرحامها بالذات من أخيها، لذلك جاء في الكافي ج٥ ص٢٣٢ باب اختيار الزوجة عن رسول الله|: «اختاروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين».

وهذا يدعو الإنسان إلى النظر في أخ الزوجة، فإنه يُشكِّل أحد الأسباب في انتقال الصفات الوراثية، وقد ثبت علميّاً أن الذكر يشبه كثيراً خاله، ومن هنا جاء المثل العامي: «ثلثين الولد على الخال».

ب) ثبت في القرآن أن الصفات الخُلُقية لا تملك صفة الثبات فهي قابلة للتغيير حتى لو بلغت الذروة لاحظ قوله تعالى في سورة طه آية ٤٣ ـ ٤٤: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.

فإنَّ فرعونَ بلغ الطُّغيان في سلوكه ولكن مع طغيانه فإن الباري يطلب من موسى× وأخيه هارون أن يذهبا إليه وهذا يدل على قوة الإرادة عند الإنسان في تغيير سلوكه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّىٰ يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم﴾.

فإن الله عز وجل في هذه الآية يعلق تغيير القوم بتغيير أنفسهم، ولو أن الإنسان لم يستطع تغيير نفسه لما طلب الباري منه ذلك.

ج) مجيء الزوجة بقلب ساكن يدل على أن الهدوء الذي يخيم على البيت له أهمية في استواء شخصية الأولاد واستقرار الصفات الوراثية في كيانهم وله أثر في انتقال الصفات الوراثية الطيبة، ومع الأسف أن بعض البيوت تعج بالأزمات فتحول البيت إلى كتلة ملتهبة.

د) أن بعض الأزواج يأتي زوجته بشهوة امرأة أخرى وذلك بسبب كثرة الاختلاط المشين، وذلك يسبب أسوأ الأخطار الوراثية وقد جاء في كتاب التربية الحنسية للأطفال والبالغين ص٣٤: «العلم لم يتمكن حتى الآن على الأقل من نفي تأثير حالة مجامعة الرجل لامرأته بشهوة امرأة أخرى في الجينات الجنسية للطفل الذكر، ويظهر هذا التأثير في نسبة عالية من هرمون الأنوثة الإستروجين على الجنين الذكر».

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة