تربيةُ الإمام الرِّضا× لشيعته

img

نعزي صاحب العصر والزمان والأمة الإسلامية بشهادة الإمام الرضا×، تقبل الله أعمالكم…

حسين آل إسماعيل

ربَّى الإمام الرِّضا× شيعته وأصحابه على أسس معيَّنة في التعامل مع أبناء جِنسهم تتضح فيما يلي:

أولاً/ الإحسان للوالدين وطاعتهما: فإنْ كانا حيين فيجب مداراتهما وعدم عقوقهما، وإنْ طوى الموت صفحة حياتهما فادعُ لهما وتصدَّق عنهما رُوِي في كتاب الكافي ٢ : ١٥٠ / ٣ باب صلة الرحم عن معمر بن خلاد قال: قلتُ لأبي الحسن الرضا×: أدعو لوالديَّ وإنْ كانا حيين لا يعرفان الحق؟ قال×: «ادعُ لهما وتصدَّق عنهما فإنّ رسول الله‘ قال: إنَّ الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق».

وعن محمد بن عُبيد الله قال: قال أبو الحسن الرضا×: «الرجل يصل رحمه فيكون بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله ثلاثين سنة ويفعل الله ما يشاء».

ثانياً/ عدم مُجالسة أهل المعاصي: رُوِيَ في كتاب آمالي الشيخ المفيد ٣/١١٢ عن الجعفري قال: سعمتُ أبو الحسن الرِّضا× يقول لأبي: «مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟» فقال أبي: إنَّه خالي، فقال أبو الحسن الرِّضا×: «إنَّه يقول في الله أمراً عظيماً، يصفُ الله ولا يُوصَف، فإمَّا جلستَ معه وتركتنا، وإمَّا جلستَ معنا وتركته»، فقال أبي: هو يقول ما يشاء وأيُّ شيءٍ عَلَيَّ منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال أبو الحسن الرِّضا×: «أمَا تخاف أنْ تنزل به نقمة فتصيبكم جميعاً؟ أمَا علمتَ بالذي كان مِن أصحاب نبيِّ الله موسى× وكان أبوه مِن أصحاب فرعون فلمَّا لخقت خيلُ فرعون موسى× تخلَّف عن موسى× لِيعظَ أباه، فيلحق بموسى×، فمضى أبوه وهو يُرَاغِمه يعني يهجره ويجتنبه ويُبالغ في ذِكْر ما يُبطل مذهبه، فلمَّا بلغا طَرَفا البحر فغرقا جميعاً فأتى موسى× الخبر قال: هو في رحمة الله ولكنَّ النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمَّن قاربَ الذَّنب دِفاع».

هذه الرواية الشريفة المباركة ذات قيمة اجتماعية كبرى، ولها أهمية عظيمة، وذات فوائد جَمَّة مِن أهمها فائدتان وهما ما يلي:

الفائدة الأولى/ أنها تدعو إلى اجتناب المُنحرفين عقائديّاً، والمنحلِّين فِكريّاً، وهجرهم والابتعاد عنهم وعدم مجالستهم، صحيح أنَّ المؤمن مُحصَّن عقائديّاً لكنَّ النقمة الإلهية إذا نزلت نعمُ الكافر والمؤمن على حدٍّ سواء في الدنيا، وإنْ كان المؤمن في الآخرة تشمله رحمة الله تعالى.

الفائدة الثانية/ أنَّ في مُجالسة أهل المعاصي والسوق والانحلال إضفاء صورة عليهم لا يستحقونها لأنهم أهلٌ للتحقير والاستصغار وليسوا بأهلٍ للتقدير والاحترام.

ثالثاً/ التماس العذر للمسيء: بأنْ تحمل عمل المسيء على أحسن المحامل والستر على عيوبه، رُوِيَ في بحار ألأنوار ٤٩ : ٩٧ باب ٢٧ عن أبي الحسن القرضي عن أبيه قال: حضرنا مجلس أبي الحسن الرِّضا× فجاء رجلٌ فشكا إليه حاله. فأنشأ أبو الحسن الرِّضا× يقول:

اعذرْ أخاك على ذنوبهْ *** واصبر وغُضَّ على عيوبهْ

واصبر على سفه السفيهْ *** وللزمان على خُطوبهْ

ودعِ الجواب تفضُّلاً *** وكِلِ الظلوم على حسيبهْ

رابعاً/ الإحسان للمحتاجين والمُعوزِين: كان أبو الحسن الرِّضا× لا يردُّ سائلاً، ولا يُخيِّبُ مُؤمِّلاً، رُوِيَ في كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب المازندراني ٤ : ٣٩٠ عن اليسع بن حمزة قال: أنَّ رجلاً قال لأبي الحسن الرِّضا×: السلامُ عليك يا بن رسول الله، أنا رجلٌ من محبيك ومحبي آبائك مصدري من الحج وقد نفذت نفقتي وما معي ما أبلغ مرحلة، فإنْ رأيتَ أن تهبني إلى بلدي فإذا بلغتُ بلدي تصدَّقتُ بالذي توليني عنك، فلستُ موضوع صدقة، فقام أبو الحسن الرِّضا×، فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم أخرج وردَّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب فقال: «خذ هذه المائتي دينار فاستعن بها في أمورك ونفقتك وتبرك بها ولا أتصدق بها عني، اخرجْ ولا أراك ولا تراني»، فلما خرج سئل عن ذلك فقال×: «مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضاء حاجته».

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة