ذِكرى استشهاد الإمام الصادق ٢٥ شوال
حسين آل إسماعيل
رُوِيَ عن رسول الله| أنَّه قال: «إِذا وُلِدَ ابني جعفرُ بنُ محمد بنُ عليِّ بنُ الحسين بنُ عليِّ بنُ أبي طالب فسمُّوه الصَّادق».
انطلاقاً من هذه الرّواية نتحدَّثُ في ثلاث نقاطٍ وهي ما يلي:
١) ما معنى كلمة جعفر في اللغة؟
٢) مَنِ الذي لقَّب الصَّادق بالصَّادق؟
٣) لماذا اختصَّ الإمام بلقب الصادق؟
أمَّا ما يعود إلى بيان النقطة الأولى فإنَّ كلمة جعفر تُطلق على عدَّة معانٍ وهي ما يلي:
١) تُطلق كلمة جعفر ويُرَاد بها كلُّ ناقةٍ كثيرة اللبن: وقد جسَّد أحدُ الشُّعراء هذا المعنى في أرجوزة شعريَّة فقال:
لي ناقةٌ كثيرة اللبن *** فمُذ أراها ينجلي الحزَنْ
تسرُّني وكلّ مَنْ يرى *** أسميتُها كالعُرب جعفرا
٢) تُطلق كلمة جعفر ويُرَاد بها النَّهر: واختلفوا في هذا النَّهر على عدَّة أقوال وهي ما يلي:
أ) اسمُ نهرٍ في الجَنَّة: رُوِيَ عن الإمام الكاظم× أنه قال: «إِنَّ في الجنَّة نهراً يُقال له جعفر على شاطئه الأيمن درَّة بيضاء فيها ألف قصر وفي كل قصر ألف قصر لمحمد وآل محمد».
وقد أبدعَ أحدُ الشُّعراء في تضمين هذه الرواية في ابيات شعريَّة رائعة جدّاً فقال:
إِنَّ في الجنَّة نهراً *** منه هذا العقل يُبهَرْ
فهو الأعذبُ ماءً *** عسلٌ من دون سكَّرْ
ألفُ قصرِ ساحلاهُ *** قِفْ وصِحْ اللهُ أكبرْ
ولقد سمَّاهُ ربِّي *** في جِنانِ الخُلد جعفرْ
ب) كلُّ نهرٍ صغير يُسمَّى جعفر.
ج) كلُّ نهرٍ كبير يُسمَّى جعفر.
لكنْ ما هي العلاقة أنَّ كلمة جعفر يُراد بها النهر وبين اسم الإمام جعفر×؟
الجواب: العلاقة من عدة جهات وهي ما يلي:
أ) كما أنَّ النهر يُغذِّي الأرض بالماء فتنتج النباتات والفواكه فيتغذَّى بها الإنسان فيقوى جسده وينمو ، كذلك الإمام المعصوم مثل النهر لكنه يغذِّي الروح ويقوِّي النفس.
ب) الماء يُزيل العطش المادِّي والإمام المعصوم يُزيل العطش المعنوي والإيات تشهد بأن الأئمة^ هم الماء الحقيقي:
قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾(الملك: 30).
فُسِّرت كلمة الماء في هذه الآية بتفسيرين:
النفسير الأول: أنَّ الماء يُراد به هذا الماء الذي يجري في الأنهار والجداول وغيرها.
التفسير الثاني: أنَّ الماء هو الإمام المعصوم فيكون معنى الآية: «قل إن أصبح ماؤكم غوراً يعني غائباً فمن يأتيكم بعلمٍ حقيقي».
فجعفر اسمٌ لامعٌ في سماء العِلم والمعرفة، والأسماء قد يكون لها معانٍ ولذلك قال الإمام الصادق× لرجل يُسمَّى ضُريس الكناني: «لِمَ سمَّاكَ أبوك ضُريساً؟». فقال: كما سمَّاك أبوك جعفراً. فقال له الإمام الصادق×: «إنَّ ضُريساً اسم شيطان فلو كان أبوك يعلم باسم ابن الشيطان لمَا سمَّاك به».
وهذا من جملة الحقوق التي للولد على أبيه أن يحسن تسميته.
وأمَّا ما يعود إلى بيان النقطة الثانية فهناك قولان فيمن لقب الإمام الصادق× بلقب الصادق وهما ما يلي:
١) أنَّ الذي لقبه بالصادق هو الخليفة أبو جعفر المنصور: وهذا القول لأبناء العامة وذلك أنَّ أبا مسلم الخراساني سأل الإمام الصادق× عن مسألة فقال له يوماً: دُلَّني على قبر جدك علي بن أبي طالب. فقال له الإمام الصادق×: «هذا لا يُعرف إلا في زمان المنصور». فلما استلم المنصور الخلافة جاء له أبو مسلم الخراساني وقال له: إني سألتُ الصادق عن قبر جده علي بن أبي طالب فقال: إنَّ قبره يُعرف في زمانك. فقال له المنصور: هو الصادق هو الصادق.
وهذا الرأي غير صحيح لأن قبر أمير المؤمنين× لم يُعرف في عهد المنصور وإنما عُرِف في عهد هارون الرشيد.
٢) أنَّ الذي لقَّبه بالصادق هو جدُّه رسول الله: وهذا قول الإمامية والرواية مأثورة وهي أنَّ رسول الله| قال: «إذا وُلِدَ ابني جعفر بن محمد فسمُّوه الصادق».
وأمَّا ما يعود إلى بيان النقطة الثالثة فهناك ثلاثة أسباب في تلقيبه بالصادق وهي ما يلي:
١) للتمييز بينه وبين جعفر بن الإمام الهادي: لأنّ جعفر بن الإمام الهادي ادَّعى الإمام كذباً فحتى يميز النبي| بين مَن يدَّعيها بالكذب وبين مَن يدَّعيها بالصدق لقَّبه بالصادق.
٢) لِصدق مَذهبه: لأنَّ في عصر الإمام الصادق× وُجِدَتْ عدَّة مذاهب ولكن أصدق هذه المذاهب هو المذهب الجعفري وجميع المذاهب الأخرى عيال عليه ودرسوا بين يديه وحثوا بالركب عنده ونهلوا من علومه واغترفوا من معارفه.
٣) لِصدقه في القول والفعل والعمل: ولذلك أنت مأمور بالنص القرآني أن تكون معهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾( التوبة: 119).