الاختيار الإلهي ـ 06

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

المحور الثاني: جمع النبي| دون عذر ولا مطر ولا سفر

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إننا إذا ما تتبعنا التراث الحديثي والفقهي للمسلمين من أبناء السنة فإننا نجد فيها روايات تذهب إلى أن النبي الأكرم| قد جمع بين الصلوات دون أن يكون هنالك عذر داعٍ إلى مثل هذا الجمع من سفر أو مرض أو غير ذلك. وقد حذا الصحابة حذوه| في هذا فكانوا يجمعون بين الصلوات دون عذر داعٍ إليه. ومن يرغب في الاطلاع على هذه المسألة فما عليه سوى أن يتوجه إلى أي كتاب فقهي أو حديثي بدون استثناء ليجد هذا الأمر مسطوراً فيها.

الروايات الواردة في المسألة

إن في تراث أهل السنة الحديثي الكثير من الروايات التي تدعّم الرأي الذي نذهب إليه في هذه المسألة، منها:

أولاً: ما عن عبد اللّه بن عباس (رضوان الله عليه) أنه قال: صليت مع النبي| ثمانياً جميعاً([1])، وسبعاً جميعاً([2]). قيل: لم فعل ذاك؟ قال: أراد ألّا يحرج اُمّته ([3]).

ثانياً: كما روي عنه أنه قال: جمع رسول الله| بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر. فقيل له: لم فعل ذلك؟ قال: كيلا يحرج أمته([4]).

ثالثاً: وقال: خرج رسول الله| في سفرة سافرها، وذلك في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قيل: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد ألّا يحرج أمته([5]).

رابعاً: وعن عبد الله بن عمر أن أباه قال: جمع رسول الله| بين المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة، وصلى المغرب ثلاث ركعات وصلى العشاء ركعتين فكان عبد الله يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله عز وجل([6]).

وكل ذلك حتى يعرف الناس أنه ليس هنالك من حرج في الدين، وليس هنالك من تضييق على الناس في أداء عباداتهم مادام هذا الأداء ضمن نطاق الشرع، ومادام خاضعاً للتوقيفية في العبادة.

والذي يستغرب أو يستنكر هذا الجمع منا فإنما ينبئ استغرابه واستنكاره هذان عن جهله المطبق بهذه المسألة، أو بأحكام دينه، لأنه لم يطلع على تراثه الحديثي أو الفقهي، بل إنه اكتفى بتقليد ما عليه أباؤه وأجداده وأسلافه من جري عادتهم على التفريق؛ فظن أن هذا هو الحكم الشرعي الوحيد للصلاة دون أن يكون هنالك حكم آخر لها صحيح يجوز العمل به، لكن القوم تركوه وعمدوا إلى استعمال الرأي الثاني في المسألة وهو التفريق. إذن فالجمع جائز بإجماع الجمهور وإن خالف بعضهم في ذلك، فذهب إلى عدم جوازه في هذا المجال. وعليه فالأغلب من جمهور الأمة على جواز الجمع وفق توفّر شرائط في المقام، وانعدامها على حدّ سواء.

يتبع…

_____________________

([1]) أي بين صلاتين رباعيتين، وهما الظهر والعصر.

([2]) أي بين صلاة ثلاثية واُخرى رباعية، وهما المغرب والعشاء.

([3]) مسند أحمد 1: 223، 349. السنن الكبرى (البيهقي) 3: 166.

([4]) مسند أحمد 1: 354. سنن أبي داود 1: 270 ـ 271 / 1211. السنن الكبرى (البيهقي) 3: 167.

([5]) مسند أحمد 5: 229: صحيح مسلم 2: 151، 152. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 1: 121 / 187.

([6]) السنن الكبرى (البيهقي) 3: 145، قال البيهقي: «رواه مسلم في الصحيح عن حرملة بن يحيى [صحيح مسلم 4: 75]، وقد أشار البخاري في كتابه إلى معناه من وجه آخر». وانظر في المضمون نفسه: مسند أحمد 5: 202. السنن الكبرى (النسائي) 5: 260.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة