كشكول الوائلي _ 215

img

المبحث الثالث: الإمام عليه السلام وخلفاء عصره

لقد عاصر الإمام عليه السلام الفترة الأخيرة من خلافة الرشيد، ثم خلافة ابنه محمد الأمين، وكانت ثلاث سنوات وخمسة وعشرين يوما، ثم خلع الأمين واُجلس عمّه إبراهيم بن شكلة، وكانت بيعته أربعة عشر يوما، عاد محمد بعدها إلى الحكم حيث اُخرج من الحبس وبويع له ثانية، وجلس في الملك سنة وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما، ثم قتله طاهر بن الحسين الخزاعي وزير عبد اللّه المأمون الذي استلم الحكم بعده، والذي استشهد الإمام عليه السلام في عصره كما سيمرّ علينا(1).

من مغيّـباته عليه السلام

إخباره عليه السلام من رأى رؤيا فيه أنه سيدفن في طوس

كان عليه السلام يخبر أصحابه بأ نّه سيُستدعى إلى خراسان وأنه عليه السلام سيدفن فيها، جاءه عليه السلام رجل من أهل خراسان وقال له: يابن رسول الله، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيّب في ثراكم نجمي؟. فقال له الرضا عليه السلام : «هل وعيت ما قاله النبي صلى الله عليه وآله؟». قال: لا يابن رسول اللّه. فقال عليه السلام «أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة نبيّكم؛ فأنا الوديعة والنجم. ألا ومن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقّي وطاعتي، فأنا وآبائي شفعاوءه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاءه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين: الجنّ والإنس. ولقد حدثني أبي عن جدّي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من زارني في منامه فقد زارني لأن الشيطان لا يتمثّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وأن الروءيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة»(2).

إخباره عليه السلام دعبلاً بذلك وإنشاده فيه شعرا

ولذلك فإنّه عليه السلام حينما دخل دعبل بن علي الخزاعي رضي الله عنه عليه بمرو قال له: يابن رسول الله، إني قد قلت فيكم قصيدة، وآليت على نفسي ألاّ اُنشدها أحدا قبلك. فقال عليه السلام: «هاتها». فأنشدها:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

فلمّا بلغ إلى قوله:

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما *** وأيديهُمُ من فيئهم صفراتِ

بكى عليه السلام وقال: «صدقت يا خزاعي». فلمّا بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهُمُ *** أكفّا عن الأوتار منقبضاتِ

جعل عليه السلام يقلّب كفّيه وهو يقول: «أجل والله منقبضات». فلمّا بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدنيا وأيّام سعيها *** وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال عليه السلام له: «آمنك الله يوم الفزع الأكبر». فلما انتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكيّة *** تضمّنه الرحمن في الغرفاتِ

وقبر بأرض الجوزجان محلّه *** وقبر بباخمرى لدى الغرباتِ

قال عليه السلام له: «أفلا اُلحقُ لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟». فقال: بلى يابن رسول اللّه. فقال عليه السلام:

«وقبر بطوس يا لها من مصيبة *** توقّد في الأحشاء بالحرقاتِ

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما *** يفرّج عنا الهمّ والكرباتِ»

فقال دعبل: يابن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال عليه السلام: «قبري، ولا تنقضي الأيّام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري في غربتي، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له»(3).

يتبع…

_______________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 – 29.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 287 – 288 / 11.

(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 264 / 34، كمال الدين وتمام النعمة: 373 – 376، دلائل الإمامة: 182، إعلام الورى: 230.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة