كشكول الوائلي _ 209

img

الثالثة: تحريم أكل الطعام الذي يصنع على شرف الحسين عليه السلام

ثم عمد هؤلاء إلى الدعوة إلى الامتناع عن أكل الأطعمة التي تصنع في ذكرى الإمام الحسين عليه السلام، معلّلين ذلك بأنّها محرّمة، مع أ نّها تجمع كل شرائط التذكية الصحيحة التي أرادها اللّه تعالى من كون الذابح مسلما، وتوجيه الذبيحة إلى القبلة، والتسمية عليها عند الذبح، وغيرها. فهذا الذي يصنع الطعام على شرف الإمام الحسين عليه السلام إنّما يدعو الناس إلى الأكل منه ابتغاءً لوجه اللّه تعالى وطلبا لرضوانه؛ لأ نّه يبعث ثوابه إلى روح الإمام الحسين عليه السلام. وهو بهذا لا يعدو أن يكون عمله كباقي أنوع البرّ التي يعملها المسلمون لأمواتهم.

هذا مع أننا نعتقد بأن الإمام الحسين عليه السلام ليس بميت(1)، لكننا نريد أن نسرّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله بتقديم الطعام على مائدة ولده، وجعل ثوابه له. فما هو وجه الحرمة إذن؟ ومن أين جاءت، وليس إطعام الطعام هنا كما قلنا إلاّ محاولة لإهداء ثوابه إلى الإمام الحسين عليه السلام؟

وأنا اُؤكد من على هذا المنبر أن طرح مثل هذه المسلّمات على الساحة والنقاش فيها ليس إلاّ مضيعة للوقت، لأن من يطرحها ليس طالب حقيقة، بل هو طالب عناد ومجانف للحقيقة. إن المسلمين اليوم بحاجة إلى الهدوء لتصفية مشاكلهم؛ لأنهم بحاجة إلى الوئام والتكاتف والتآزر، فلدينا كمسلمين من المشاكل مع الآخرين فيالعالم المحيط بنا ما يكفينا ويكون حرضا لنا وسببا لأن نتّحد ونتكاتف في وجه هذه المشاكل التي يراد من ورائها أن يحاق بنا. وإن كان لابدّ من مناقشة مثل هذه الاُمور، فالعالم مليء بالمنكرات التي ترتكب كلّ يوم علانية فلتحارَب تلك المنكرات بعيدا عن الاُمور التي تشحن الأجواء، وتؤجّج المشاكل والصراعات،وتشغل المسلمين عما يدور حولهم مما يراد بهم.

فمن يرد وجه اللّه تعالى فلينكر ذلك المنكَر ولا يظلّ يدور حول هذه الدائرة التي ليس لها مخرج وليس منها مفرّ، أمّا أن يشيع أنّ اللّه تعالى سيعاقب من يصنع هذا الطعام على شرف سيد الشهداء عليه السلام طلبا لمغفرته ولرضوانه وسيعاقب آكله الذي سيذكر مصيبة ابن رسول اللّه صلى الله عليه وآله ويستعبر لها، فلا أظنه مقتنعا بما يشيع ويقول، وإنما هو العناد والعزّة بالإثمّ.

إننا نعرف طريقنا الذي نسير عليه(2) وواثقون منه، ونحن على هدْي الذين قال فيهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «إني مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا. ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»(3)، وعلى هداهم وحبّهم ومودّتهم (نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا دائما من المتمسّكين بكتابه ونبيه صلى الله عليه وآله وأهل بيته عترته عليهم السلام)، وإن شاء اللّه سوف لن نضل ما دمنا على هذا الطريق أبدا، فلا يعنينا أنّ هناك من يوزّع الكفر والإيمان اعتباطا(4)، ولا يعنينا أنّ هناك من جعل كل رسالته وهدفه في الحياة تمزيق وحدة المسلمين وشقّ صفوفهم بما يصدر عنهم من فتاوى(5) وتكفير لمذاهب إسلامية اُخرى(6).

فاللّه اللّه على وحدة الإسلام والمسلمين، ولتكن أعمالنا نابعة من هدي القرآن الكريم ووحيه، ومن إرشاد السنة النبوية المطهّرة (على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام وأتم التحية والإكرام).

يتبع…

__________________

(1) قال تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتَا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران: 169.

(2) قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يوسف: 108.

(3) فضائل الصحابة (أحمد بن حنبل): 15، 22، مسند أحمد 3: 14 وغيرها، سنن الدارمي 2: 432، وغيرها كثير.

(4) فالمتوكّل عندهم محيي السنة، ومميت البدعة كما في البداية والنهاية 13: 239، مع أنهم يروون أن لحمه وقع في كؤوس الخمرة، ومات بين أحضان الغانيات، ثمار القلوب (الثعالبي) 1: 191 ـ 190.

(5) فقد أفتى الشيخ نوح الحنفي في حلب مثلاً بإباحة دماء الشيعة، وباستحلال فروج نسائهم، ونهب أموالهم. خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 2: 159، الكنى والألقاب 2: 331.

(6) مع أن الأشعري يقول: « أنا لا اُكفّر أحدا من أهل القبلة؛ فالآية الكريمة تقول: مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ؛ لأن الكلّ يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا اختلاف العبارات ». السنن الكبرى 10: 207، سير أعلام النبلاء 15: 88، ثم قال الذهبي: وبنحو هذا أدين. وحول هذا انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير 5: 15 / 6268.

 وهذه الظاهرة امتدّت إلى المذاهب كافّة، فمثلاً يقول الحافظ أبو حاتم بن خاموش: كلّ من لم يكن حنبليّا فليس بمسلم. انظر: تذكرة الحفّاظ 3: 1186، سير أعلام النبلاء 17: 625، 18: 508. ويقول: عبد الله بن محمد بن عقيل الباوردي ـ وكان من بقايا الصحابة على رأي الذهبيـ: من لم يكن معتزليّا فليس بمسلم. ميزان الاعتدال 2: 498 / 4583، لسان الميزان 3: 353 / 1430.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة