كشكول الوائلي _ 205

img

أبعاد وقوف الاُمويين في وجه النهضة الحسينية

إن وقوف الإمام الحسين عليه السلام بوجه هذا المدّ الجاهلي المتنامي على أيدي الاُمويّين لا بد أن يعيش في فكر كل حرّ حتى مع وجود الصوارف التي حاولت إبعاد فكر الحسين ومبدئه عن عقول الناس وساحة المجتمع. وهذه الصوارف تتمثّل في أنّ الاُمويّين لم يتركوا بعدا من الأبعاد يدخل ضمن دائرة قدرتهم إلاّ وجنّدوه ضد الإمام الحسين عليه السلام وفكره وامتداد خطّه؛ لإخراجه من الساحة جسدا وفكرا وروحا. ويمكن حصر هذه الأبعاد بالتالي:

البعد الأوّل: أنّ الحسين عليه السلام ابن بنت الرسول صلى الله عليه وآله وليس ابنه

لقد استغلّ أعداء الإمام الحسين عليه السلام هذه النقطة، فأشاعوا بين الناس فكرة أنه عليه السلام ليس الابن الصلبي للنبي صلى الله عليه وآله، بل إنّه ابن ابنته، وابن الابنة لا علاقة له بجدّه لاُمّه ولا يعتبر ولدا له، بل إنّه يتبع أباه وجدّه لأبيه(1). وقد سبق أن عالجت هذا الموضوع فيما مرّ من محاضرات(2)، وقلت هناك: إنّ العلماء يعتبرون ابن البنت كابن الولد من ناحية جملة من الأحكام المترتّبة عليه. ثم إن جواب الإمام الكاظم عليه السلام للرشيد يكفي في المقام(3)؛ فقد سأله عليه السلام: لمَ جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ويقولوا لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي صلى الله عليه وآله جدّكم من قبل اُمّكم. فقال عليه السلام له: «لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه؟». قال: سبحان الله! ولم لا اُجبه، بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك؟ فقال عليه السلام له: «لكنه لا يخطب إليّ، ولا اُزوّجه». فقال: ولم؟ فقال عليه السلام: «لأنه ولدني»(4). وقد وضع النبي صلى الله عليه وآله احتياطه لهذه المسألة من أيّامه الاُولى؛ لما كان صلى الله عليه وآله يعرفه من محاولات الاُمويين وغيرهم من أعداء البيت النبوي لتشويه الحقائق وتزويرها، ودفع الثوابت لأغراضهم الشخصية. وكان صلى الله عليه وآله يعلم أيضا أ نهم سيثيرون مثل قضية أن الحسنين عليهما السلام سبطا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وليسا ولديه، فكان يكرّر أمام الملأ عنهما: «ابناي»(5)، ويقول صلى الله عليه وآله: «كلّ بني اُمّ ينتمون إلى عصبتهم إلاّ بني فاطمة فإنني أنا أبوهم»(6). وهو صلى الله عليه وآله لم يكن بالذي يلقي الكلام جزافا حينما أكّد على هذا المعنى وعلى هذا الجانب، بل إنّه صلى الله عليه وآله كان يعرف أنّ هذا الجانب سوف يعتّم عليه ويتعرّض إلى هزة تحاول زعزعته في النفوس. وهكذا فشلت هذه المحاولات، وظلّت الحقيقة قائمة.

يتبع…

____________________

(1) ويستدلّون بقول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا *** بنوهن أبناءُ الرجالِ الأباعدِ

الجامع لأحكام القرآن 16: 79، شرح نهج البلاغة 11: 28. وقد مرّ فى محاضرة ( البناء الاُسري في الإسلام ) ج 4 من موسوعة محاضرات الوائلي ردّ القرطبي على الاستدلال به، وعدم صحّته.

 وكذلك ببيت عمران بن حفصة:

أنّى يكون وليس ذاك بكائنٍ *** لبني البنات وراثة الأعمامِ

 عيون أخبار الرضا 7: 189، تاريخ بغداد 13: 145، تاريخ مدينة دمشق 57: 292.

(2) في القسم المطبوع منها انظر ما ورد في الهامش السابق.

(3) وكذا روي عن الباقر أنه قال: «يا أبا الجارود، ما يقولون لكم في الحسن والحسين عليهما السلام؟». قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه وآله. قال: «فأي شيء احتججتم عليهم؟». قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه عزّ وجلّ في عيسى بن مريم عليه السلام: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأ يُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى الأنعام: 84 ـ 85. قال: «فأي شيء قالوا لكم؟». قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال: «فأي شيء احتججتم عليهم؟». قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ آل عمران: 61. قال: «فأي شيء قالوا؟». قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول: أبناؤنا.

 قال: فقال أبو جعفر عليه السلام : «يا أبا الجارود، لاُعطينّكها من كتاب الله عزّ وجلّ أنّهما من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله لايردّها إلاّ كافر». قلت: فأين ذلك جعلت فداك؟ قال: «من حيث قال الله عزّ وجلّ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ اُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأخَوَاتُكُمْ الآية إلى أن انتهى إلى قوله تبارك وتعالى: وَحَلائِلُ أبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ النساء: 23، فسلهم يا أبا الجارود: هل كان لرسول الله صلى الله عليه وآله نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا: نعم كذبوا وفجروا، وإن قالوا: لا، فهما ابناه لصلبه». الكافي 8: 263 ـ 264 / 501.

(4) الاحتجاج 2: 164، بحار الأنوار 48: 128، 93: 240، ومثلها مناظرة الإمام الرضا عليه السلام والمأمون. بحار الأنوار 10: 349 /9، 94: 187 / 19.

(5) تحفة الأحوذي 10: 187، المصنف (ابن أبي شيبة) 7: 512 / 22، خصائص أمير المؤمنين (النسائي): 123، صحيح ابن حبان 15: 423، المعجم الصغير 1: 200، كنز العمّال 13: 671 / 37711، تاريخ مدينة دمشق 13: 25، 26، 199، 14: 151، 155 تهذيب الكمال 6: 55، وغيرها كثير.

(6) مجمع الزوائد 4: 99، المعجم الكبير 3: 44 / 2632، تهذيب الكمال 19: 483، 484، وغيرها كثير.

 وقال صلى الله عليه وآله: «إن اللّه لم يبعث نبيا إلاّ جعل ذريته من صلبه غيري؛ فإن اللّه جعل ذريتي من صلب علي». انظر: كشف القناع (البهوتي) 5: 32، الفقيه 4: 365، وقال: «لكلّ بني أب عصبة ينتمون إليه إلاّ ولد فاطمة أنا عصبتهم». نيل الأوطار 6: 139، كنز العمّال 12: 98 / 34168، تاريخ مدينة دمشق 36: 313.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة