كشكول الوائلي _ 200

img

الثاني: مصيبة الحسين عليه السلام

فهو عليه السلام دائم الحزن، ولم يكن بالذي ينسى واقعة الطّف وما جرى فيها من انتهاك حرمات اللّه وسفك دماء وتقتيل أطفال وسبي نساء، فقد كانت وقعة الطف تعيش في مشاعره وهمومه، وكان كما خاطبه الشاعر رحمه الله في صدر المحاضرة:

 والصابرين على الخطوب بكربلا *** ما بين غمر مدامع ودماءِ

 عاشت بقلبك كربلاء بكلّ ما *** فيها فعشت بلوعة وبكاءِ

 حتى مضيت وأنت جرح نازف *** وأضالع تطوى على لأواءِ

فهو يقول له: إن كربلاء عاشت في ذهنك وقلبك ومشاعرك، فقضّيت عمرك الشريف كلّه باللوعة والحزن والأسى والبكاء. وهذا ما حدث فعلاً، فواللّه لم تبارح طيوف الطف ذهن الإمام عليه السلام وقلبه؛ ولذلك حينما دخل عليه أبو حمزة قال: سيدي إن القتل لكم عادة، وكرامتكم من اللّه الشهادة، إن جدّك صلى الله عليه وآله قتل وأباك عليه السلام قتل، فقال: «شكر اللّه سعيك يا أبا حمزة، ولكني أذكر أشياء منها أنهم أدخلونا على يزيد ونحن موثوقون بالحبال، وكان الحبل يمتد من عنقي إلى كتف عمتي وأكتاف سائر الفاطميّات، وكنا كلما قصرنا عن المشي ضربونا. وواللّه ما نظرت عيناي إلى عمّاتي وأخواتي إلاّ وذكرت فرارهن يوم عاشوراء من خباء إلى خباء، ومن خيمة إلى خيمة، والمنادي ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين».

فالإمام عليه السلام يجيبه بأن كلامه حق، لكن اُمورا اُخرى تعتمل في ذهنه وتتصارع داخله فتجعله لا يهنأ بطعام ولا شراب، ومن ذلك ما كان الجنود يعاملونهم به في رحلة السبي؛ فكانوا كلما قصروا من المشي نتيجة التعب ضربوهم بالسياط، ومنها إدخالهم على يزيد وهم مصفّدون بالأغلال، وكان الحبل يربط بين عنق السجاد عليه السلام وكتف الحوراء زينب عليها السلام وأكتاف بنات الرسالة:

 عجبا لم تلن قلوب الأعادي *** لعليل عضّت عليه القيودُ

 وله حنّت الفصيل ولكن *** هيّمته اُميّة لا ثمودُ

وكانت أشدّ فصول حياته حزنا فصل عتابه الفرات حيث مرّ به يوما، فقال يخاطبه: «إلى الآن تجري يا فرات وقد قتل عندك ابن بنت رسول اللّه ظمآنا؟ إلى الآن تجري يا فرات وقد سقط آل رسول اللّه إلى جانبك؟».

ولم يزل يبكي أباه السبط الشهيد ليلَ نهار إلى أن حضرته الوفاة، فجلس عنده ولده الإمام الباقر عليه السلام يرثيه بلوعة وحزن، وكان قد شخص ببصره إلى السماء وقال: «سجّوني إلى القبلة »، فأغمض عينيه وفاضت روحه الطاهرة ولحقت ببارئها في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وضجّت المدينة بأهلها، لكن السبط الشهيد الإمام الحسين عليه السلام حينما لفظ أنفاسه الشريفة الطاهرة لم يكن بجانبه أحد، كانت زينب عليها السلام ليلة الحادي عشر من المحرم قد لفعّتها تلك الليلة بظلمائها، وكان الأطفال حولها يتصارخون وهي تجول ما بينهم:

 يبويه عليّه الليل هوّدْ *** وآنه غريبه وما لي احّدْ

***

 وإن يبكِ اليتيمُ أباهُ شَجوا *** قَرَعْنَ سِياطُهم رأسَ اليَتيمِ

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة