كشكول الوائلي _ 194

img

خطأ نظرية عدم الزواج من زوجة الربيب

وهذا العرف الجاهلي كان سائدا وهو تصوّر مخطوء من وجهين:

الأوّل: أن من الممكن أن تبقى هذه المرأة معطّلة، وربما انحرفت سيّما إن كانت لا تزال شابة.

الثاني: أنه يشمّ منه رائحة التمييز. فالمعتِق يظل على نظرته إلى هذا الربيب على أنه رقّ ليس بمستواه، وأن زوجته مثله، أو أن الزواج من زوجته ولو كانت حرّة يهبط به عن مستواه إلى مستوى الربيب، وهذا ما لا ينبغي أن يكون من حرّ على رأيهم ووجهة نظرهم.

إنّ هذا المولى لم يخلقه اللّه تعالى كذلك، بل إنّه أصبح كذلك لظرف طارئ مرّ به، وقد انتهى هذا الظرف وعاد إلى حريته، فما معنى هذا اللون من التميّز، وهذا التصرّف؟ إن المفروض أننا مجتمع القرآن وأننا نتبع أخلاق القرآن وتعاليمه،وهو يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(1) فهذا هو الشعار الذي رفعه القرآن، والذي يجب أن يكون شعار المجتمع القرآني.

فرسول اللّه صلى الله عليه وآله أراد أن يكسر هذا العرف الجاهلي، وإلاّ فإنّه صلى الله عليه وآله كان بإمكانه ومقدوره أن يتزوّج منها قبل أن يزوّجها من زيد. ثم إنّ المطلّقة ليست دائما مخدوشة، فقد تطلّق المرأة لأ نّها لم تنسجم مع زوجها في حياتها الزوجية، وليس بالضرورة أن تكون سيئة أو مخدوشة، ومجرّد عدم التناغم والانسجام في بيت الزوجية لا يخرجها عن كونها امرأة ذات أدب أو عفّة، وهذا ما يجعل الزواج منها ثانية أمرا ممكنا لا عيب فيه. بل ربما يكون الزوج نفسه سيّئ الأخلاق والسيرة، أو أنه لا ينفق عليها؛ مما يلجئ الزوجة إلى طلب الطلاق منه.

ورسول اللّه صلى الله عليه وآله كان بوسعه أن يتزوّج من أي فتاة من أشراف العرب يشاء، ويخطب إلى أي بيت من بيوتاتهم، لكن جلّ نسائه صلى الله عليه وآله كنّ إما أرامل أو مطلّقات، ولذا فهو صلى الله عليه وآله لجأ إلى مثل هذا اللون من الزواج لأ نّه صلى الله عليه وآله يريد أن يضرب هذه القاعدة الجاهلية، ويكسر هذا العرف الجاهلي الذي كان من ضمن موروثات جاهلية تنخر في جسد المجتمع، وأن يقضي عليها. إنّه صلى الله عليه وآله إنما جاء ليرفع مستوى الأخلاق عند الناس، وليس من الخلق أن تترك المرأة تتعذب لمجرد وجود مثل هذا الوهم الجاهلي الذي يعشعش في أذهان الناس، وهذا الوهم هو أ نّها مطلقة، مع أنها ربما طلقت لسبب معقول ووجيه كما ذكرنا. ومن كانت قد طلقت لمثل هذا السبب هل من الخلق الإسلامي أن تبقى رهينة البيت وسجينة ضمن نطاق العادات والتقاليد الجاهلية، والتمثّلات الجمعيّة؟

فالإمام السجاد عليه السلام أجابهم بأن هدف الرسول صلى الله عليه وآله هو كسر هذا العرف المقيت الذي ليس له أي موجب أبدا؛ ولذا فإنه أقدم على الزواج من زينب ابنة جحش.

الثالث: حول مسألة الجمع بين الصلاتين

وهي من المسائل المعاصرة أيضا؛ إذ أنّ زمانها يمتد مع امتداد وجودها ووجوبها. دخل عليه رجل يوما فسأله: لماذا تأمر الصبيان بأن يجمعوا بين صلاتي: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء؟ فقال عليه السلام : «ما داموا على وضوء قبل أن يشتغلوا ». ويقول عليه السلام: «هو خير من أن يناموا عنها»(2).

فهذه رخصة، واللّه تعالى يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه، والرسول صلى الله عليه وآله كان يجمع بين الصلاتين من غير عذر وفي غير السفر والمطر. ومن أحب أن يرى ذلك فليرجع إلى (المنتخب) لابن تيمية، و(المبسوط)(3) للسرخسي وكتب اُخرى(4) في هذا المجال(5) مؤلّفة خصّيصا لهذا الغرض (الجمع بين الصلاتين). فالإمام عليه السلام حينما أصّل الجمع؛ فلأ نّه عليه السلام كان يرى أن يخفّف عن المسلمين ويهوّن الأمر عليهم(6) ويقربهم إلى الطاعة أكثر، فالإنسان قد يصيبه الفتور أيام المطر أو الحرّ أو غير ذلك عن التوجّه إلى المسجد خمس مرّات في اليوم. إضافة إلى ذلك أن هذا الجمع كما قلنا ليس ببدعة وإنّما هو رخصة من الله الذي أباح لنا ذلك. وقد صرّح القرآن الكريم بذلك حينما قال: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِن قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (7).

فالقرآن الكريم في هذه الآية ينصّ على ثلاثة أوقات، وكذلك السنة النبويّة المطهّرة، وقد جمع النبي صلى الله عليه وآله كذلك، وهذه سنّة عملية. ومع كل هذا نجد الآن من ينبز بقوله: لماذا يجمع هؤلاء؟ وأحيانا يتعدّى الأمرُ النبز إلى الألفاظ الجارحة. وهذا التصرّف لايعدّ مزاجا فقهيا أو نمطا علميّا، بل هو نمط بعيد عنهما ومزاج مجافٍ لهما تماما؛ لأ نّه يحمل روح التحامل والمكابرة أمام الدليل. يقول السرخسي في (المبسوط): إنّ أحمد بن حنبل نفسه كان يجمع، وكذلك حال جماعة من الفقهاء على مرّ العصور، وغاية ما في الأمر أن التفريق أفضل. ونحن ليس عندنا جمع حقيقي وإنما هو جمع صوري، بمعنى أنّ هناك فترة فاصلة بين الصلاتين تتخلّلهما، تفرّق بين فرض وآخر، وهذه الفترة يقع فيها الدعاء والتسبيح والذكر، ثم بعد ذلك يقوم المصلّي إلى فرضه الثاني.

فكان الإمام عليه السلام بجلوسه في مسجد جدّه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يتصدّى لغرس العلم في نفوس الناس.

يتبع…

________________

(1) الحجرات: 13.

(2) الكافي 3: 409 / 2، قرب الأسناد: 23 / 77، المصنّف (ابن أبي شيبة) 1: 303 / 14، أحكام القرآن 3: 430.

(3) المبسوط 1: 149 – 150.

(4) المغني 2: 120 ـ 121.

(5) قد مرّ كل ذلك في ج5 ص 199 / المبحث الثالث من موسوعة محاضرات الوائلي.

(6) قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله: «جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء». الانتصار 9: 407، ذخيرة المعاد 1: 97 ( حجري ).

(7) الإسراء: 78.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة