كشكول الوائلي _ 186

img

المبحث الثالث: زواجه عليه السلام وأسباب تعدد الزوجات أول الإسلام

لم يتزوّج أمير المؤمنين من غير فاطمة عليها السلام حال حياتها، ولم يعدّد إلاّ بعد وفاتها عليها السلام. وهذه نقطة تستحق الوقوف عندها، فعند الرجوع إلى تاريخ الصحابة في الفترة التي عاشها أمير المؤمنين عليه السلام من النادر أن نجد صحابيا لا يملك عدد الأزواج نفسه الذي يملكه أمير المؤمنين عليه السلام. فقد كان الصحابة يكثرون الأزواج لأسباب متعدّدة، منها:

الأوّل: تمتين الوشائج بين القبائل

فقد كان البعض من الصحابة يعمد إلى الزواج من قبائل اُخرى، حتى تبقى الوشائج قوية بين قبيلته هو كمسلم وقبيلة زوجته، وهكذا تستمر المصاهرة بهذا اللون حتى يأتي الوقت الذي تمّحي فيه الآثار القبلية. وهذا مردّه إلى أنّ الإسلام كان ضعيفا في بادئ أمره، فاحتاج إلى أنّ يتجذّر في القبائل.

الثاني: تكثير المقاتلين

فالإسلام في أوّل أمره حوصر من جهات عدّة، فقد تكالب عليه العرب والاُمم الاُخرى، وكان المسلمون معرّضين للقتل والذبح والإبادة في أية لحظة؛ فلذا كان لابدّ لهم من أن يهيّئوا وقودا لمعركتهم ضد اُولئك، وهذا الوقود لا يجيء إلاّ عن طريق الإكثار من الزوجات.

الثالث: عامل القربى والتربية

إنّ المتتبّع لبعض الزيجات وبالأخص عند الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وعند أمير المؤمنين عليه السلام يجد أنّ عامل الرغبة منتفٍ جدا وبشكل واضح وكبير فيها. والعامل الوحيد المأخوذ بنظر الاعتبار هنا هو مراعاة أواصر القربى بينهم وبين من يتزوّجون منهن أو من أزواجهن المتوفَّين عنهن، ومراعاة تربية أبنائهن تربية سليمة، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في زواجه من أسماء بنت عميس. وإلاّ فما الذي يجبر أمير المؤمنين عليه السلام على الزواج منها وقد كانت تحت تحت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد أولدها، ثم تحت أبي بكر الذي أولدها محمدا (الابن النجيب والمطيع لأمير المؤمنين عليه السلام)؟ أليس هو عامل مراعاة القرابة وتربية هؤلاء الصغار تربية صحيحة سليمة؟ فمعظم نساء أمير المؤمنين عليه السلام من هذا النوع.

إذن فقد كان أمير المؤمنين مكثراً من الزوجات، وكانت فاطمة الزهراء عليها السلام سكنه الأوّل وروحه من الدنيا، وكان عليه السلام يوليها رعاية وعناية لا حدود لهما ولا نظير. ثم تزوج بعدها أمامة بنت أبي العاص (ابنة اخت الزهراء عليها السلام)، وكان عليه السلام قد تزوّجها بوصيّة منها عليها السلام حيث قالت له عليه السلام : «في صدري وصايا تختلج، واُريد أن اُوصيك بها». قال عليه السلام : «بلى، عزّ واللّه عليَّ فراقك يا بنت رسول اللّه». قالت: «يا أبا الحسن، لا بدّ للرجال من النساء، فإن أردت أن تتزوّج بعدي فعليك بابنة اُختي اُمامة؛ فإنها تكون لولدي مثلي، ومع ذلك اجعل لها يوما وليلة وللحسنين يوما وليلة»(1).

ثم تزوّج فاطمة بنت حزام اُم البنين(2). ومن أزواجه خولة الحنفيّة (اُمّ محمد بن الحنفية)، والمحيّاة بنت امرئ القيس الكلبيّة، واُم سعد بنت عروة بن مسعود الثقفي، بالإضافة إلى عدد من الجواري.

وكان عدد نسائه ثمانيا على أصحّ الأقوال، ومعظم زيجاته عليه السلام منهن كان يتجلّى فيها الجانب الاجتماعي؛ حيث إنّه عليه السلام يصاهر عروة بن مسعود الذي يقول فيه القرآن الكريم على لسان المشركين: وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكَا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ(3). فكان زواجه من هذا البيت لهدف اجتماعي يصب في خدمة الإسلام. وأمّا جواريه فلم يكنّ لغير هدف اجتماعي كان عليه السلام يرتئيه.

وأمّا عدد أبنائه وبناته فثلاثة وثلاثون ولدا؛ قتل منهم عشرة يوم الطف الذي لم يحضره آخرون لمرض أو لعذر آخر. والتاريخ لا يسعفنا بمعلومات كافية وافية حول امتناع من امتنع عن الطف، ولا يمدّنا بما نستطيع أن نخرج منه بنتيجة صائبة لا تقبل الردّ والنقاش، مع أنّ في هذه الواقعة تقرير مصير الدين والاُسرة والحق. وإلاّ فلماذا يتخلّف أخ للإمام الحسين عليه السلام عن الخروج معه في حين أنّه عليه السلام حضر معه من لا يمتّون إليه بصلة دموية؟ لابدّ أن يكون هناك سبب ما يستحق أن تسلّط الأضواء عليه.

يتبع…

________________________

(1) معاني الأخبار: 356 / 1، السقيفة وفدك: 147، شرح الأخبار 2: 160 / 492.

(2) ومن باب أنّ الشيء بالشيء يذكر أنّ من أسباب تعدّد الزوجات هو من أجل إعداد المقاتلين للمعركة، نذكر أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قد طلب من أخيه عقيل أن يبحث له عن امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب ليتزوّجها فتلد له غلاما فارسا، يكون ناصرا وعضدا لولده الحسين عليهما السلام بطف كربلاء. انظر: عمدة الطالب: 357، بطل العلقمي 1: 97.

(3) الأنعام: 8.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة