كشكول الوائلي _ 184

img

أمير المؤمنين عليه السلام سيرةً وموقفا

بشر أقلّ صفاته إن عاينوا *** منهن ما ظنّوا به المعبودا

ضلّت قريش كم تقيس بسابق الـ *** ـحلبات ملطوم الجبين مذودا

يا صاحب المجد الذي لجلاله *** عنت السرايا منصفا وعنيدا

لك غرّ أفعال إذا استقرأتها *** أخذت عليّ مفاوزا ونجودا

وصفات فضل أشكلت معنى فلا *** إطلاقَ يكشفها ولا تقييدا

ومراتب قُلّدتها بمناقب *** كالعقد تُلبسه الحسان الخودا(1)

المباحث العامّة للموضوع

وقفات في حياته عليه السلام؟

حينما يريد البعض أن يترجم لشخصيّة ما فإنّه يلجأ إلى طريقة إحصائية لبيان أبعاد المعرفة عنده، فيسلّط الأضواء على بعض الاُمور الهامّة في حياته. ونحن سوف نستخدم هذه الطريقة في دراستنا لبعض ملامح أمير المؤمنين عليه السلام، وسوف نسجّل ذلك في وقفات عدّة، وسنخصّص كل وقفة بمبحث إن شاء اللّه‏:

المبحث الأوّل: قضية العمر عنده عليه السلام وإشكالية إسلامه

إنّ أوّل ما يمكن أن يحصى لأمير المؤمنين عليه السلام هو عمره، وهو وإن كان قصيرا بالمدى لكنه طويل بعطائه وإنجازاته وخدماته للإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وآله وللمسلمين. وعمر الإمام عليه السلام بالنسبة للأعمار الطويلة يعتبر قصيرا جدا، فهو لم يتجاوز العام الثالث والستين من عمره الشريف إذا عرفنا أنّه عليه السلام ولد عام (10) قبل المبعث الشريف (بعد عام الفيل بثلاثين عاما). وعلى هذا فإنّ عمره الشريف كان عشر سنوات حينما نزلت أوّل سورة من القرآن الكريم وسمعها ووعاها. وهذا المعنى حاول بعض المؤرّخين أن يرميه بسهام الشكوك، من جهة أنه لا يمكن أن يعتبر الإنسان في هذا العمر إنسانا كاملاً، ولا تعدّ مداركه مدارك ناضجة. وعليه فيكون إسلامه عليه السلام غير صحيح في مثل هذا السنّ، ولا يعدو إسلامه أن يكون تقليدا؛ لأنّه صبي غير ناضج لم يعتنق الإسلام عن وعي وإدراك(2).

مناقشة دعوى أنّه عليه السلام لم يسلم عن إدراك

وهذه الدعوى مردودة من عدّة وجوه، منها:

الأوّل: أنه عليه السلام نشأ مسلما

إنّ هذا الكلام يمكن أن يوجّه إلى شخص لم يكن مسلما ثم أسلم، أمّا مع أمير المؤمنين عليه السلام الذي ربي في بيت التوحيد والنبوة، فالأمر مختلف؛ لأنه عليه السلام كان يعيش الوحدانية في ذاته ومشاعره؛ فلم يسجد لصنم قط. وهذه الذهنية اللامعة إذا لم تكن تسجد لصنم أبدا فلمن كانت عبادتها تتوجّه إذن؟

الثاني: اصطحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله إياه إلى غار حراء

إننا نعرف ـ كما يثبت التاريخ ـ أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كان يصطحب أمير المؤمنين عليه السلام خلال هذه السنوات العشر معه إلى غار حراء حيث يتعبّد، فكان عليه السلام يفتح عينيه على الدنيا من خلال عبادة اللّه وتوحيده. وكان يعيش هناك في حجر النبي صلى الله عليه وآله يسمع تهجّده ويحفظ أذكاره ويحاكي تعبّده. وهكذا يكون على مثل منهج الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ويكون الاعتراض بأن إسلامه غير ناضج لا اعتبار له، وفي غير محلّه.

ثم إننا لو راجعنا التاريخ المعاصر لوجدنا فيه عباقرة وهم في سن دون السن التي كان عليها أمير المؤمنين عليه السلام، ففي العام (1415) مثلاً منح شخص شهادة البكالوريوس وكان عمره (12) سنة. ونحن لا نريد أن نبرهن على أنّ الإمام عليّا عليه السلام كان على رأس النوابغ؛ فهو عليه السلام أكبر من هذا.

يتبع…

____________

(1) ديوان الحاج هاشم الكعبي: 39.

(2) وهذا ما أثبته المأمون في مناظرته مع علماء السنّة. العقد الفريد 4: 3616 ـ 3637.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة