كشكول الوائلي _ 182

img

الثانية: الأحلام بين العلم والدين، ورؤيا الأنبياء عليهم السلام

ويرد هنا سؤال هو: هل للرؤيا نصيب من الحقّ والواقع؟ وهل للرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله مضمون ومؤدّى؟

إنّ الأحلام عادة تأخذ حيّزا من التفكير العلمي والديني والشعبي، فالدين مثلاً يعتبر بعض الأحلام جزءا من النبوّة(1)؛ أمّا العلم فينقسم إزاءها إلى رأيين:

الرأي الأوّل: أنها معادل موضوعي

وتمثل هذا الرأي المدرسة التحليلية التي يرأسها فرويد وغيره وتذهب إلى أنّ الأحلام عبارة عن عملية تعويضٍ عما يراه الإنسان في عالم الواقع، فهي وسيلة توجد عنده حالة من التنفيس عن الكبت الذي يلاقيه في عالم الواقع وتعويضٍ عن الحرمان. وكذلك النظرية التي ترى أنّ الأحلام هي عبارة عن انعكاس الواقع على صفحة الذهن، فما يبصره الإنسان نهارا يره ليلاً عبر عملية لا شعورية تحدث في ذهنه.

الرأي الثاني: أنها وهم

ووفق هذا الرأي فإن الأحلام مجرّد أضغاث لا حقيقة لها ولا أثر على حياة الإنسان، وأنها لا تعدو أن تكون مجرد خيالات وأوهام.

غير أن هذه الرواية المارّة تدلّ على أن الرؤيا أحيانا تكون من صميم الواقع، وهي تعطي موقفا إسلاميا واضحا من الرؤيا والأحلام، وتقرّر أنّ وجهة نظر الإسلام حيال الأحلام ترى أن ليس كلّ المنامات أضغاث أحلام. وكون بعض الأحلام غير صحيحة لا يعني أن غيرها ليس له مصداقيّة، بل لابدّ من أن يحلّل تحليلاً سليما وعقلانيا. لكن المصيبة تبقى في انتهاز الدجالين الفرص لاستدراج عوامّ الناس إلى حبائلهم، فيفسّروا لهم أحلامهم على هواهم؛ ليبتزّوا منهم أموالهم، وتكون النتيجة أن الخرافات تنتشر، وينتشر معها الجهل والظلام.

ولذا فإنّ الإسلام الحنيف عالج هذه المسألة معالجة حاسمة، فبيّن أنّ أي حكم شرعي يأتي عن طريق المنام فهو باطل، وكذلك أي أمر مخالف للواقع. لكن مما يؤسف له أنّ بعض المذاهب الإسلامية تعتمد الأحلام في إثبات حكم شرعي(2)، في حين أنّ الأحكام الشرعية كلها جاءتنا عن طريق اليقظة؛ فالحلم لا يمكن أن يكون مدركا لحكم شرعي حتى لو كان المشاهد في المنام هو النبي صلى الله عليه وآله.

يروى أن الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله ـ وكان في الكوفة ـ جاءه جماعة وقالوا له: إنّ المكان الكذائي قد رفع عليه صاحبه علما، وهو يدّعي أ نّه مغتسل الزاهراء عليها السلام. فقال رحمه الله: إن الزهراء عليها السلام توفيت في المدينة ودفنت فيها، فكيف جاء مغتسلها إلى هنا؟ فقالوا له: إن صاحب هذا المكان يأخذ النذورات والهدايا من الناس على هذا. فقال: جيئوني به.

فلما جاؤوا به سأله الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله: من أين لك هذا الادعاء؟ وما دليلك عليه؟ قال: رأيت في عالم الرؤيا أنّ الزهراء عليها السلام مرّت بي فقالت لي: هذا مكان مغتسلي. فقال له الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله: إنّ كلامك لا قيمة له وأنت يقظ صاحٍ، فكيف بك وأنت نائم؟

فالمسألة أننا لا نتخذ من المنام مصدرا من مصادر التشريع؛ لأنّ الحلم لا يمكن الركون إليه في مثل هذه المسائل الحساسة الخطرة والخطيرة.

الرمزية في المنامات

لكن إذا نظرنا إلى الأحلام بعيدا عن هذا الجانب، وتأملناها بعين الناقد لوجدنا أنّها تشكّل رموزا لمعاني واقعية؛ لأنّ النفوس تتّصل ببعض القوى الغيبية،فتتلّقى عنها وتستلهم منها.

يتبع…

______________

(1) الأمالي ( الصدوق ): 121، مسند أحمد 2: 18، 50، 119، 122، 137، 369، 369، 438، وغيرها كثير.

(2) كمسألة الأذان، انظر مسند أحمد 4: 43، وغيره.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة