كشكول الوائلي _ 177

img

القيادة العسكرية وخطّة المعركة

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمؤمنينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

مباحث الآية الكريمة

المبحث الأوّل: فضيلة البكور إلى الصلاة

إنّ البعض من الآيات الكريمة تفيد معنىً إضافيا زيادة على مضامينها الأساسيّة، وهذا ما توحي به بعض المفردات التي تستعملها. فقوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مثال على هذا، والغدوّ: الصباح المبكر(2). والاستيقاظ مبكرا مندوب إليه في الأخبار(3). والمسلم لا يحتاج إلى دليل خارجي لهذا، بل أن دليله وجداني بالنسبة له؛ إذ أن من المفروض به أن ينهض صباحا عند الفجر لأداء صلاة الصبح: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا(4)، وقرآن الفجر: صلاة الصبح؛ لأ نّها تشتمل على القراءة. والإنسان حينما يستيقظ صباحا إلى الصلاة في وقتها ثم يقوم إلى المحراب ومنه، فإنّه يقوم روحا وعقلاً وليس جسدا وغرائز، بلحاظ أن الإنسان مركب عجيب من الغرائز التي تدفعه إلى المعصية.

وهكذا يتطهّر الإنسان روحيّا كل صباح حتى يواجه الحياة بذهنية المسلم؛ فهو يقول في صلاته اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(5) أي في الدنيا والآخرة، فهو يريد الطريق الصحيح، وهو أن يعيش مع عباد اللّه بصورة مرضية ونظيفة، ويستوحي السماء معانيَ للخير، وكل ما له أثر في تربيته وإعداده. وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم ويؤكّد عليه(6).

وهكذا يستطيع الإنسان أن يعمر الحياة، ويزرع الخير والسلام في أرجائها، فعليه أن ينتج ويعمل ولو كان ثريّا موسرا؛ لأن وظيفته في الحياة ورسالته التي كلّفه اللّه تعالى بأدائها ـ وهي استثمار طاقاته التي أودعه عنده، واستثمار نعم اللّه التي أغدقها عليه وأودعها له في أرضه ـ لابد من أن يؤدّيها على أكمل وجه وأتّمه؛ ولذا فإنّه تعالى عوّضه عن هذا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشا(7)، والرواية الشريفة تخاطبه فتقول: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا»(8).

فالإنسان مكلّف بأن يعمر الحياة؛ لأنّ عنده بيتا وعائلة ومجتمعا يتفاعل معه ويعيش فيه، كما أن عنده بلدا ومهمة يتوقف عليها إطالة عمره.

إنّ في الأنظمة الوضعية أنّ الإنسان إذا بلغ الخمسين من عمره أو الستّين فإنه يلج سنّ التقاعد ويحال عليه، وهنا تحدث الصدمة والنكسة لهذا الإنسان ـ إن كان واعيا ـ لأ نّه يرى حينئذٍ أن دوره في الحياة قد انتهى، وأ نّه في طريقه إلى الموت. وهذا ينعكس سلبا على عطائه وروحه؛ فينتكس، ويشعر بالوحدة والوحشة والغربة، أما إذا عرف أن مهمته في الحياة مستمرّة فإنّه حينها لن ينتابه ذلك الإحساس، فيستمرّ في نشاطه وعطائه وإبداعه. وهذا هو السبب الذي لأجله لا يشترط الفقهاء في أبواب الإجارة والعمل من كتب الفقه أن يكون للإنسان عمر محدّد؛ فكل من له طاقة على العطاء والبذل له أن يعمل وسوف لن يمنعه أحد ولو كان في اُخريات حياته.

واقع الاُسرة المسلمة الآن

إننا الآن نعيش أزمة حقيقية؛ حيث إنّ الكثير من الاُسر الإسلامية لا تتّسم بسمات الاُسرة الإسلامية الحقيقية؛ فالاُسرة الإسلامية هي التي تبتدئ يومها عند رفع كلمة «لا إله إلاّ اللّه» فجرا بالصلاة والذكر وقراءة القرآن والدعاء إلى اللّه، أمّا واقعنا نحن فغير ذلك؛ فالاُسرة ـ بفضل القنوات الفضائية وأجهزة البث الاُخرى ـ تسهر ليلها تراقب التلفزيون حتى إذا حان موعد صلاة الفجر أو دنا تخلد إلى النوم، فتترك واجباتها الملقاة على عاتقها وقت الصباح وتظل تغطّ في غفلتها؛ يبسط عليها النوم غطاءه الرخو فلا تعمر حياتها ولا تقوم بمستلزماتها. وهذا ما يلفت إليه القرآن الكريم أنظارنا وينبّهنا إليه: وَإِذْ غَدَوْتَ.

وقد كان العرب يتمدّحون ببكور الغراب، فيمدحون فلانا لأ نّه يبكّر إلى الحياة كبكور الغراب(9).

يتبع…

____________

(1) آل عمران: 121.

(2) العين 3: 135 ـ سحر، 5: 365 ـ بكر.

(3) انظر وسائل الشيعة 4: 212 ـ 214 / ب28.

(4) الإسراء: 78.

(5) الفاتحة: 6.

(6) ومنه قوله تعالى: وَأَقِمْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ العنكبوت: 45.

(7) النبأ: 10 ـ 11.

(8) عن الإمام الكاظم عليه السلام. الفقيه 3: 156، ونسب للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بلفظ: «احرث لدنياك…». النهاية في غريب الحديث 1: 346 ـ حرث.

(9) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « البكرة رباح »، أو « نجاح ». السير الكبير ( الشيباني ) 1: 65.

وقيل لبزرجمهر: بم أدركت ما أدركت من العلم؟ قال: ببكور كبكور الغراب. شرح نهج البلاغة 18: 230، فيض القدير شرح الجامع الصغير 3: 255.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة