كشكول الوائلي _ 176

img

الرأي الثالث: أنها فيمن يسلم بعد قتال

فقد كان الكثير من المشركين وغيرهم ممن هم ليسوا على دين الإسلام يدخلون الإسلام بعد انتهاء المعركة بينهم وبين المسلمين بهزيمتهم وانتصار المسلمين كما حصل في فتح مكة وغيره، لكن بعض المسلمين كان يتعامل معهم بصورة توحي بأنهم ليسوا مسلمين فعلاً، وأنهم إنما دخلوا الإسلام بعد أن ذاقوا حرّ النار والحديد، وكانوا يسمعونهم ذلك. وللحقيقة نذكر أنّ هذا اللون من الإسلام قد حصل من بعض كأبي سفيان وأمثاله، لكن ليس معنى هذا أن نستقبل كل مسلم بمثل هذا التصرّف وهذا الكلام حملاً له على أمثال أبي سفيان، إذ ربما كان قد أسلم حقّا، وهو إنّما يطلب الإسلام ويرجو اللّه في ذلك. وعليه فلا يصح استقباله بهذا، وأن نقول له: إنك إنّما اسلمت بعد المعركة، وإن اسلامك إنما كان بالإكراه والإجبار.

وهؤلاء قد فُرّق بينهم وبين باقي المسلمين حتى في العطاء، فعمر بن الخطاب كان يسميهم «مسلمة الفتح »، وكان يعطيهم دون ما يعطي غيرهم من المسلمين.وهذه المسألة كانت من ضمن جملة من المسائل التي اختلف فيها معه جماعة ممّن عاصروه أو جاؤوا بعده.

فالآية الكريمة نزلت لهذا السبب، ولتقول للمسلمين: لا تجرحوا مشاعر هؤلاء؛ فإنهم قد دخلوا حضيرة الإسلام، فعليكم أن ترحّبوا بهم وتشجّعوهم.

هذا على صعيد الإسلام، أمّا على مستوى المذاهب الإسلاميّة، فإنّ التطبيق خلاف هذا، وهو خلاف واضح واختلاف بيّن؛ فلو أنّ أحدا من المسلمين ممّن يوصف بالغيرة تساءَل: لماذا المسلمون ممزّقون؟ ولماذا لا نسعى لامتصاص هذه الفرقة ونجمع شمل المسلمين مادامت الاُصول واحدة وهي مدعاة للوحدة والتوحّد لا للفرقة والتفرّق؟ فإنّه سيرمى بأنّ كلامه غير صحيح لأ نّه لم يقصد هذا فعلاً وإنّما تفوّه به تقيّة، وكل قلم شريف يحاول أن يعالج مسألة من مسائل المسلمين ومشكلة من مشاكلهم فإنّه يرمى بهذه التهمة، وكأن التقيّة ليس لها أي مدرك شرعي. إنّ هذا الشعور البغيض تجاه هؤلاء هو الذي يولّد الفرقة بين أبناء الدين الإسلامي ويسبب التنافر والتناحر بينهم.

إنّ هناك الكثير من الشعوب ممّن توحّدهم المصلحة المادية وليس غير، في حين أنّ المسلمين توحّدهم اللغة والدين والعقيدة والكتاب والأرض وغير ذلك، لكنهم مع ذلك متنافرون متباغضون متفرّقون، فلم هذا؟ إننا نأسى ونأسف على المسلمين أن يصلوا إلى هذا الأمر وأن يصل بهم الحال إلى هذه الفرقة البشعة.

فالآية الكريمة تلزمنا بألاّ نصف هؤلاء بأنهم مكرهون على اعتناق الإسلام لأنّ بوسعهم إضمار شيء وإظهار خلافه، فعندما يعلن فرد إسلامه دون إكراه وإجبار مباشرين من أحد فعلى المسلمين ألاّ يجرحوا مشاعره. ثم إن الدين الذي يأتي بالإكراه لا يسمى دينا، والعقيدة التي تأتي عن طريق الإملاء والإجبار لا تسمى عقيدة أبدا، لأ نّهما أشبه شيء بأن يكونا عقدا من العقود، والعقود يلزم فيها القبول وإلاّ كان العقد باطلاً: إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ(1)، فالقرآن يفرض في التجارة أن تكون نابعة عن الرضا النفسي. وهكذا نجد أن البيع على بساطته يشترط الشرع فيه الرضا، فكيف باُمور العقيدة والدين والآخرة؟ وهل من الممكن أن تقع وتصحّ من دون رضا؟ ومن هذا يذهب المحقّقون إلى أنّ الدين إن كان بالإكراه فهو ليس بدين ولا العقيدة عقيدة.

يتبع…

_______________

(1) النساء: 29.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة