الوفاء بعهد الله والإيمان به

img

مسجد الإمام الرضا×

أم الحمام سماحة الشيخ مصطفى آل مرهون

7/10/1439

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وعرّفنا الحلال من الحرام. وأصلّي وأسلم على سيد الأنام محمد| وآله السادة الكرام.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، والمداومة على عبادته؛ فإن السعيد من اتقى الله وأطاعه:

ولست أرى السعادة جمع مالٍ *** ولكن التقيَّ هو السعيدُ
وتقوى الله خير الزاد ذخراً *** وعند الله للأتقى مزيدُ
وما لابدَّ أن يأتي قريب *** ولكن الذي يمضـي بعيدُ([1])

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ([2]).

سبب النزول

اشتكى رجل عند رسول الله| فقال: إن امرأ القيس الكندي جاورني في أرض، فاقتطع من أرضي فذهب بها مني، والقوم يعلمون إني لصادق، ولكنه أكرم عليهم مني. فسأل رسول الله| امرأ القيس عنه فقال: لا أدري ما يقول. فأمره أن يحلف، فقال الرجل: إنه لا يبالي أن يحلف. فقال: إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرف. فنزل قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا…﴾ الآيتان. فلما قرأهما رسول الله| قال امرأ القيس: أما ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا…﴾ الآية…([3]).

يعتبر أصل الثقة المتبادلة مقوماً اجتماعياً قويماً للقيام بالفعاليات الاجتماعية، والتعاون الفعال بين أفراد المجتمع، كما إن نقض العهد يعني انعدام الثقة في المجتمع وتفككه؛ مما يؤدي إلى عدم القدرة على الفاعلية فيه وفقدان قوته وهويته؛ ولذلك أصبحت قيمة الوفاء بالعهد لا تدانيها قيمة: ﴿إِنَّ مَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ([4]). ويبين القرآن سبب الأفضلية بقوله تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ﴾. باعتبار أن المنافع الدنيوية تزول وتنتهي مهما بدت لنا كبيرة وضخمة، أما الذي يبقى فهو ثواب الله والجزاء الإلهي. ومن هنا فإنه لا ينبغي اللهاث والسعي الحثيث وراء حطام الدنيا؛ فإنها إلى زوال.

يقول الإمام الحسين×: «ولا تغرنكم هذه الدنيا، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيب طمع من طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر أسخطتم الله فيه عليكم، فأعرض بوجهه الكريم عنكم، فأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته»([5]).

إن البعض يغتر بالدنيا متناسياً أن طبيعة الحياة في هذا العالم المادي مصيرها إلى فناء وزوال، ومصير القوة الدنيوية إلى الضعف والانهيار؛ فأين تلك الحضارات المادية؟ وأين طواغيت الدنيا وجبابرتها؟ وأين من حارب الأنبياء والرسل؟ وأين من ادعى الربوبية وألحد بالله وكفر به؟ كلهم زالوا ورحلوا، وصاروا لعنة في سجل التاريخ. وكفانا أن كل من في الدنيا يموت، يقول علي×:

إنما الدنيا فناء *** ليس للدنيا ثبوتْ
إنما الدنيا كبيت *** نسجته العنكبوتْ
ولقد يكفيك منها *** أيها الطالب قوتْ
ولعمري عن قليل *** كل من فيها يموتْ([6])

فعلى الإنسان أن يطمع في طاعة الله وثوابه، بالعمل الصالح، والصدق مع الله سبحانه، وعلى الأخص في الثبات على عهد الله والإيمان به: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

وقد روي عن علي× قوله: «الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه»([7]).

إنه الإيمان الصادق الذي يدعونا إلى العمل المستمر والفعال في حياتنا العملية. والمؤمن العامل لا يعرف الملل والضجر لسبب من أسباب الدنيا؛ فكلما كثرت العقبات، وقل الإخوان، ازداد الأجر والثواب من الله. وكلما تخطى المؤمن العقبات، ارتفعت درجاته عند ربه.

وفي الحديث: «لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة سالكيه»([8]).

وعن علي× أنه قال: «شتان بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره»([9]).

﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ([10]).

____________________

([1]) الكنى والألقاب 2: 183. الأغاني 2: 443.

([2]) النحل: ٩٥ ـ 97.

([3]) مجمع البيان 6: 197.

([4]) النحل: 95.

([5]) بحار الأنوار 45: 6.

([6]) ديوان الإمام علي×: 64.

([7]) نهج البلاغة / الخطبة: 82.

([8]) نهج البلاغة / الخطبة: 201. مستدرك وسائل الشيعة 12: 194 / 13858.

([9]) نهج البلاغة / الخطبة: 121.

([10]) آل عمران: 193.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة