كشكول الوائلي _ 155

img

مسؤولية المسلم تجاه نهضة الحسين عليه السلام

مَا كَانَ اللّه‏ لِيَذَرَ الْمؤمنينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ (1).

مباحث الآية الكريمة

المبحث الأوّل: معالم النهضة الحسينية

نحن نعيش دائما ثمرة مدرسة الحسين عليه السلام نتفيّأ ظلالها ونستوحي منها القيم الخالدة والمثل الأصيلة التي ترقى بالإنسان إلى مصافّ الأحرار، وتسمو به إلى مستوى المسؤولية الشرعية تجاه المجتمع واحتياجاته، وإحداث ثورة التغيير فيه. ولذا فإن من الواجب على كلّ مسلم أن يفتح الأبواب إلى هذه المدرسة المعطاء؛ ليقوم كل بدوره، وهو السعي إلى تحقيق الهدف الذي قامت من أجله هذه الثورة العالمية المباركة. وهنا نقطتان ينبغي الالتفات إليهما هما:

النقطة الأولى: الجوانب العاطفية في الثورة

إن الحسين عليه السلام بهذا الجانب من جوانب الثورة، وضع المجتمع الإسلامي أمام المسؤولية، فنجده يخاطب المجتمع لأنّه حامل الرسالة ويحاول أن ينفذ إلى نفس كل مسلم؛ لأنّ المسلمين جميعا هم حملة الرسالة السماوية التي يجب أن تصل إلى الناس جميعهم. وبهذا فإن الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يجسّد رسالة الإسلام؛ إذ أنّ هدف النهضة الحسينية هو إحياء رسالة الإسلام التي كادت تموت على يد يزيد وأعوانه. فكان الإمام الحسين عليه السلام يردّد هذه الآية في مثل هذه الليلة، يقول الضحاك بن قيس المشرقي: بتنا الليلة العاشرة، فقام الحسين وأصحابه الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، فمرّت بنا خيل تحرسنا، وإن الحسين عليه السلام ليقرأ: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمؤمنينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُوءْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(2)، فسمعها رجل من تلك الخيل فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون، ميّزنا منكم وأنتم الخبيثون. قال: فعرفته، فقلت لبرير: أتعرف من هذا؟ قال: لا. قلت: أبو حريث عبد الله بن شهر السبيعي، فعرفه برير، فقال له: أما أنت فلن يجعلك الله في الطيّبين. فقال له: من أنت؟ قال: برير. فقال: هلكت والله يا برير. فقال له برير: لا أراك تحسن من كتاب اللّه‏ آية(3).

ووجه الاستشهاد هذا أن الإمام الحسين عليه السلام يريد أن يضع الاُمم الإسلامية التي تدّعي الإسلام وتتلبّس بلباسه أمام مسؤوليّاتها الجسام في حمل مبادئ الإسلام، ليبرهنوا عمليّا على إسلامهم بوقوفهم بوجه حاملي ألوية الكفر والعناد والفساد ممّن يريدون الرجوع بالإسلام إلى زمن الجاهلية وعاداتها المقيتة. فهذا هو وجه استشهاد أبي الأحرار عليه السلام بهذه الآية الكريمة، أي أنّه لابدّ من أن يتميّز الطيب من الخبيث الذي يهزأ بعواطف الناس ويسخر منها، ويدّعي الإسلام وهو لا يصلي ولا يؤدّي فرائضه التي افترضها اللّه‏ تعالى عليه.. يدّعي الإسلام وهو لا يقدّم للإسلام شيئا، بخلاف الطيّب الذي يجسّد الإسلام موقفا وبطولة وتطبيقا، ويعرف أنّ الجهاد من أوّل واجبات المسلم وأهم تشريعات الإسلام.

والغريب أنّ هذه الظاهر ـ قضية موقفنا من يزيد ـ تعيش بين الناس حتى في هذه الأيام، مع أن المفروض بهذا المعترض أن يمتلك الوعي في هذا المجال، ومن لم يكن كذلك فلينظر في كتب المسلمين ككتاب (حياة الحيوان) للدميري في باب (فهد) وليرَ ما ينقل عن يزيد وما يقول فيه، وهو ينقل ذلك عن علماء المسلمين(4) من غير الشيعة.

ونحن لا نبتغي من وراء احتفالاتنا هذه بثّ روح الفرقة بين المسلمين، وليس هذا في حسابنا أبدا، بل إن هدفنا هو خدمة الإسلام والحفاظ على وحدة المسلمين وفق الضوابط الشرعية والآيات القرآنية. وهذه أصواتنا تخرج لوسائل الإعلام وليس عندنا ما يقدح بوحدة المسلمين، بل العكس هو الصحيح؛ لأننا ندعو إلى النبع الذي شرب منه المسلمون وهو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الكرام عليهم السلام، ولا ندعو إلى نبع الجاهلية. ونحن عندما نتمسّك بالحسين عليه السلام فإنّما نتمسّك برافد من روافد الإسلام التي لم تلوّث.

فالإمام الحسين عليه السلام يريد أن يضع المسلمين على مفترق الطرق، ويقول لهم: ادرسوا أسباب هذه النهضة؛ فـ: «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي صلى الله عليه وآله، وأن أسير فيهم بسيرة الحقّ؛ فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بقبول الحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يحكم الله وهو أحكم الحاكمين»(5). فالحسين عليه السلام هو ابن رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله والرسول صلى الله عليه وآله جاء بشيرا ونذيرا للمسلمين كافّة، كما أنه عليه السلام ابن القرآن والقرآن الكريم كتاب المسلمين كافّة. ولو أننا حكّمنا العقل لرأينا أن سيّد شباب أهل الجنة(6) أولى بالاتباع ممّن كان يتغنّى:

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزلْ(7)

فليحاول كل من يطلب الحقّ والحقيقة أن يكسر حاجز التعصّب المقيت والجمود على التاريخ المزوّر وأن يقرأ بموضوعية ومنهجيّة علمية ليطلع على الحقائق، وليطلق الحرّيّة لفكره، وليسمع صوت الحسين عليه السلام مجلجلاً يهزّ أعماق الكون ويرعب مخلوقات الشرّ والظلام، وهو يهدر في مثل هذه الليلة: «ألا وإن الدنيا قد أدبرت وتنكَّرَ معروفُها، وذهبت حذَّاء، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا تنظرون إلى الحق لا يُعمل به، و إلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب امرؤ في لقاء ربه مُحقَّا. إني لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ شقاءً وبرما»(8).

فالحياة ليست عبارة عن طعام وشراب ولباس؛ لأن من يرَها كذلك لا يعدُ الحيوان في شيء؛ إذ أن الحيوان يشاركنا في هذا الجانب البهيمي، بل الحياة هي المواقف النبيلة، وأن يقال للحق: إنك حقّ، وللباطل: إنك باطل، يقول أحد الشعراء:

نحن موتى وشرّ ما ابتدع الطغـ *** ـيان موتى على الدروب تسيرُ

ذلك أن الميت ليس من تخرج روحه من بدنه، فكثير ممّن فارقوا الدنيا لكنهم يعيشون معنا بما خلّفوه من أثر كبير في الحضارة والعلم والفكر والتقدّم البشري، بل إن الميت هو من لا يحمل الوعي، فتراه جثة تسير على سطح الأرض لا تعي ما حولها ولا تبصر أكثر مما هو تحت قدميها، فلا تحسّ بالعالم ولا تشعر.

يتبع…

_________________

(1) آل عمران: 179.

(2) آل عمران: 178 ـ 179.

(3) مقتل الحسين (أبو محتف): 111، إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : 122 ـ 123، لواعج الأشجان: 123 ـ 122، تاريخ الطبري 3: 317.

(4) حياة الحيوان 2: 175 ـ 176.

(5) بحار الأنوار 44: 329.

(6) فضائل الصحابة (أحمد بن حنبل): 20، 58، 76، مسند أحمد 3: 3، 62، 64، 82، 5: 391، 392، سنن ابن ماجة 1: 44، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 321، 326، المستدرك على الصحيحين 3: 167، 167، 167، 381، صحيح مسلم بشرح النووي16: 41، وغيرها كثير.

(7) انظر: تاريخ الطبري 8: 193، شرح نهج البلاغة 15: 178، البداية والنهاية 8: 209، الأخبار الطوال: 267.

(8) مناقب آل أبي طالب 3: 224، المعجم الكبير 3: 114، نزهة الناظر: 88.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة