كشكول الوائلي _ 154

img

المبحث الثالث: فرى القوم على الشيعة

وقد كان هذا المنهج من شتم علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام هو السائد عند الاُمويّين. وليس هذا فحسب، وإنما عمدوا على أيدي صنائعهم ووعّاظهم إلى تزييف وتكذيب كلّ منقبة له، ومحوها من الوجود. وإلى الآن لم تنتهِ آثار هذه المسألة، فعندما تدخل إلى مكتبة لتقرأ التفسير أو التاريخ أو الحديث، فستجد ركاما هائلاً من الشتائم في قواميس الكثيرين الذين لا يتركون كلمة نابية أو جارحة أو فيها سباب إلاّ ويقذفون بها من يوالي عليا عليه السلام .

فرى ابن تيمية

الاُولى: أن كتب الصحاح لم تنقل عن راوٍ منهم

وكمثال على هذا أنقل لك ما ينقله ابن تيمية عنا حيث يقول: «ليس في فرق الاُمة فرقة أكثر كذبا واختلافا من الرافضة، فهم أكذب الناس؛ ولذا لم تروِ كتب الصحاح عنهم رواية واحدة»(1).

هذا مع ملاحظة أن الكذب عندنا يفطر الصائم إذا كان كذبا على اللّه‏ تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، لكن لنرَ من من هو الكاذب منّا، وهل صحيح أن كتب الصحاح لم تروِ عن الشيعة؟ كلا، إن العشرات من روات هذه الكتب من الشيعة.

ومن أراد المزيد فليرجع إلى (الفصول المهمّة) لعبد الحسين شرف الدين، والجزء الثالث من (الغدير).

والذي تحت يدي الآن منهم ( 91 ) راويا، أما المصادر الاُخرى فتروي أنهم أكثر من هذا. فهل تبيّن من الكاذب الآن؟

الثانية: تمثيل عائشة بالشاة

وكمثال آخر على الكذب على الآخرين ما يدّعيه ابن تيمية أيضا حيث يقول: «إن الرافضة يمسكون نعجة ويطعنونها، ويقولون عنها: هذه اُمّ المؤمنين عائشة»(2).

إننا ـ الشيعة ـ والحمد للّه‏ نعرف أنفسنا، فهل رأى أحدكم هذا المنظر يوما من الأيام؟ وأين يوجد هذا الكلام؟ إنه موجود في كتب شيخ الإسلام ومخيّلته.

الثالثة: كراهة الرقم عشرة

ويقول أيضا: «إن الشيعة يكرهون العدد عشرة، ولا يذكرون رواية فيها هذا العدد؛ لأنهم يكرهون العشرة المبشّرة إلاّ علي بن أبي طالب »(3). ورحم اللّه‏ الشيخ الأميني الذي تتبّع عشرات الروايات فيها العدد عشرة(4).

فرى اُخرى

وليس هذا فحسب، فلو نظرنا في كتاب (الفصل في الملل والنحل) لابن حزم لرأيت الغرائب، وكذلك الشهرستاني في مؤلفاته، والقصيمي في (الصراع بين الوثنية والإسلام)، وابن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد، وغيرهم(5)، فإن القارئ لا يجد فيها إلاّ الافتراءات والكذب على الشيعة، ثم يقولون بعد ذلك: إن الصحاح لم تروِ عن الشيعة؛ لأنهم يكذبون.

إن هؤلاء يروون في صحاحهم عن خالد بن مسلم المخزومي الكوفي الذي كان من المرجئة، وكان يتقرب إلى اللّه‏ بشتم علي بن أبي طالب عليه السلام . ويروون عن عمران بن حطّان الذي يقول في عبد الرحمن بن ملجم:

يا ضربة من تقي ما أراد بها *** إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوما فأحسبه *** أوفى البرية عند اللّه‏ ميزانا(6)

باللّه‏ عليك، لو كان عمران بن حطان يمدح أبا لؤلؤة قاتل الخليفة عمر، فهل كان البخاري يروي عنه(7)؟ فلم هذا اللون من التعامل مع أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو على أقل التقادير خليفة من خلفاء المسلمين؟

إن من الضروري أن نقوم بتسليط الأضوء الكاشفة على هذا الركام في تأريخنا وعلى ما يلفّه من زيف، وإلاّ فإلى متى نبقى هكذا؛ الآباء يأكلون الحصرم، والأبناء يضرسون؟ ولمصلحة من هذه التركة السوداء الثقيلة والعب‏ء القاتل في تأريخنا؟ وما ذنب من ينشأ على كلمة «لا إله إلاّ اللّه‏» ليلغم فكره بمثل هذا؟ فإن أردنا أن نصفّي أفكارنا ونغربلها، فعلينا أن نزيح هذا الركام من الفرى والاختلاق، وأن يعاد النظر في هذه الكتب التي تقف عقبة في طريق المسلمين، وهو أمر ضروري جدّا ولا بدّ منه.

يروي الإمام الحسين عن جده رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله قوله: «الزموا مودّتنا أهل البيت؛ فإنه من لقي الله عزّ وجلّ وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقّنا»(8).

وهذا الرواية مروية في كتب السنة أيضا، وبإمكان القارئ أن يراها في كتاب (الصواعق المحرقة)، وغيره(9) من الكتب.

ويقول النبي صلى الله عليه وآله في أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يجوز أحد على الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز»(10).

وإن كان الأمر كذلك، فهل يسعنا إلاّ أن نفضّل من تنزل فيه هذه الروايات والأخبار والآيات؟ وكيف لا نرتّب على قول النبي صلى الله عليه وآله آثارا؟

إذن فالذي يشتم غيرنا، وإلى الآن ما يزال الشتم يصيبنا منهم، وكلّ من ألّف كتابا منهم لا يسعه أحيانا إلاّ أن يفتتحه بشتمنا والافتراء علينا، ولا يقدر إلاّ أن يبهتنا، فلم كلّ هذا؟

وعليه فإن الحكم في الآية الكريمة ترتّب على قيد هو الإيمان، فيكون الوصف علّة له. فالصحابة المتّصفون بهذا الوصف هم موضع احترامنا وتقديرنا وتقديسنا، وأما إذا كان الأمر على غير ذلك، فإن النبي يقول: «لو عصيت لهويت»(11).

يتبع…

_____________

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 35: 184.

(2) منهاج السنّة النبويّة 4: 176 ـ 177.

(3) منهاج السنّة النبويّة 4: 176.

(4) الغدير 3: 148 ـ 150، وانظر الخصال: 425 ـ 454 / باب العشرة.

(5) انظر كل ذلك مفصّلاً في المجلّد الثالث من الغدير.

(6) تاريخ الإسلام 1: 710، الاستيعاب 1: 348، الإصابة 5: 303، تاريخ مدينة دمشق 7: 380، 43: 495، المواقف 3: 698، الحور العين: 201.

(7) فقد روى عن عمران هذا، انظر صحيح البخاري 7: 45. وهو إنما يسبّ رجلاً يقول فيه رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله: «لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق». مسند أحمد 1: 95، 128، الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 306، كنز العمّال 11: 598 / 32878. ويقول فيه: «حربك حربي، وسلمك سلمي». شرح نهج البلاغة 18: 24، المناقب (الخوارزمي): 199، وأحاديث كثيرة غيرها بهذا المعنى، انظر الحاوي للفتاوي 2: 44، ويقول أيضا: «من أحبّك ختم اللّه له بالأمن والإيمان، ومن أبغضك فليس له نصيب من الإسلام». مسند أبي يعلى 1: 403 / 528، المعجم الكبير 12: 321، كنز العمال 11: 611 / 32955، 13: 159 / 36491، وقد نقل عن البوصيري قوله: رواته ثقات.

(8) الأمالي (المفيد): 139 ـ 140 / 4.

(9) المعجم الأوسط 2: 360.

(10) جواهر المطالب 1: 18، 101، ينابيع المودّة 2: 163، 404.

(11) الإرشاد 1: 187، شرح نهج البلاغة 10: 184.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة