كشكول الوائلي _ 141

img

عمليّة الهجرة اشترك فيها أكثر من صحابي

وعملية الهجرة اشترك فيها عدّة أشخاص؛ فأبو بكر خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وعلي نام في فراشه، وقسم من الصحابيّات هيأن طعاما للنبي صلى الله عليه وآله، وآخرون هيّؤوا الراحلة. فهذا إسهام في العملية، فلا بدّ من ذكر أي فضل أو إسهام لأي أحد في هذه العملية. وهذا هو التاريخ السليم، حيث تسلط فيه الأضواء على الأشخاص كافّة، وأما التسليط على جزء دون آخر فهذا عيب ونقص، وهذا ما نجده عند بعض المؤرّخين، وهو شيء يؤسف له. فالنبي صلى الله عليه وآله خرج بهذه العملية الجماعيّة في حين أن الضوء لم يسلط على علي بن أبي طالب عليه السلام.

ولتقريب المعنى بحدث آخر نذكر أن ابن كثير حينما يمرّ بحادثة الدار يذكر أنه عندما نزل قوله تعالى: وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ(1)، أرسل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله خلف أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: «اصنع طعاما لأربعين رجلاً».

فصنع لهم علي عليه السلام طعاما، وكان فخذ جزور وعسّا من اللبن، وكان عددهم أربعين فأصدرهم شباعا، ولم ينقص من الطعام شيء، ثم قال لهم رسول اللّه‏: «لو قلت لكم وراء هذا الجبل قوم يريدون غزوكم، هل كنتم تصدقونني؟». قالوا: بلى، لأننا ما عرفنا منك كذبة وأنت الصادق الأمين. قال: «واللّه‏ لقد جئتكم بخير ما جاء به وافد إلى قومه، قولوا: لا إله إلاّ اللّه‏ تفلحوا».

فقام إليه عمّه أبو لهب وقال له: ألهذا جمعتنا؟ تبّا لك. فهبط القرآن الكريم ليقول: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(2).

ولم تؤثّر تلك الواقعة في نفس النبي صلى الله عليه وآله أبدا، فكرّر الدعوة وأمر عليا عليه السلام بصنع الطعام ففعل، ووقف رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله ليقول لهم: «من منكم يتبعني على هذا ليكون أخي ووزيري وخليفتي من بعدي؟». فلم يقم إلاّ علي عليه السلام ، وهو أصغر القوم سنّا، يقول عليه السلام : «قلت: أنا يا رسول اللّه‏. فقال: اجلس. وفي الثانية قمت فقلت: أنا يا رسول اللّه‏. فقال: اجلس». وفي الثالثة أمسكه من رقبته فقال: «هذا أخي ووزيري وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا».

فخرج القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: إنه يأمرك بطاعة ولدك(3).

لكننا نجده يقول: لقد أمسكه من عنقه وقال كذا وكذا، فهل يظن أنه بقوله يهدمه؟ الحقيقة أنه إنما يسيء لنفسه ولتاريخه. إن عندنا نجوما مضيئة تعطي تاريخنا روحا، فعليّ عليه السلام رجل صنعته السماء ولا يمكن أن تقضي عليه الأرض، فهذا عبد العزيز بن مروان يقول: ما بنت الدنيا شيئا إلاّ وهدمه الدين، وما بنى الدين شيئا واستطاعت الدنيا أن تهدمه(4). يقول أحد الاُدباء:

سيدي كلما تلبّد اُفق *** وتجنّى بعصفه الديجورُ

وتمادت صحائف خطّ منها *** قلم الحقد والهوى والزورُ

فحباهم عطفا وطيبا كما يفـ *** ـعل إن زج باللهيب البخورُ

وتمهّل أبا تراب فدون الـ *** ـشتم من حولك الفضائل سورُ

إن أشادت بك السما وأفاضت *** أيّ ضير لو سبّك المأجورُ

يتبع…

______________________

(1) الشعراء: 214.

(2) المسد: 1، انظر مناقب آل أبي طالب 1: 43.

(3) شرح الأخبار 1: 107.

(4) اختلف المؤرّخون في نسبتها لقائلها؛ ففي بحار الأنوار 42: 19، أنه الوليد بن عبد الملك، وفي شرح نهج البلاغة 9: 64، المحاسن والمساوئ (البيهقي): 77، البيان والتبيين 2: 173، أنه لعبد اللّه‏ بن عروة بن الزبير.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة