كشكول الوائلي _ 135

img

وجوب السؤال عن القرآن والدقة في نقله

فاللّه‏ تعالى يأمر المسلمين باستقصاء معاني القرآن من الرسول صلى الله عليه وآله نفسه؛ لأن الأمر إذا دخل في باب (فلان عن فلان) حصل السهو والنسيان والزيادة والنقص‏غير ذلك مما يضيّع الهدف من الرواية؛ فإن سألوا الرسول صلى الله عليه وآله ونقلوها كلهم فإنه يحصل اطمئنان للرواية؛ للتواتر حينئذٍ. روى أحد الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: «إن الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه». فبلغ خبر الرواية السيدة عائشة، فقالت: غلط الراوي إنما هذه الرواية كانت في يهودي مات ومرّ أهله يحملونه ويبكون عليه، فقال صلى الله عليه وآله: «إن هؤلاء يبكون عليه وهو يعذّب» (1).

فالمسألة هنا خاصّة، وعدم دقّة الراوي هي التي أوقعته في مأزق نقل الرواية؛ فإن من الطبيعي أن يبكي أهل الميّت ميّتهم، فلماذا يعذب هو؟ وما هو ذنبه؟ وهل يعاقب على ذنب اقترفه غيره؟ فالراوي هنا فهم الحديث على غير ما أراده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ومثل هذا النمط من الرواة كثيرون(2).

واللّه‏ تعالى إنما يحثّ على السؤال عن معاني القرآن الكريم؛ لأنها معانٍ توقيفية؛ بمعنى أنه لا يجوز تفسير القرآن الكريم بالرأي دون الرجوع إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله الذي يوقف المسلمين على المعاني الحقيقية له.

وهو أمر معناه النهي عن تفسير القرآن الكريم، بل والحديث الشريف كذلك بالآراء والأهواء، وما توحيه الظنون وتمليه الرغبات، فيُدخل في الدين ما ليس فيه، أو يُصنع مشرّعون مقابل تشريع السماء وهم لا يمتلكون القابلية الفعلية لذلك؛ لأنه مخلوق ناقص ويكمل نقصه بالدين. فالعقل البشري لا يمكن أن يرى حقيقة الأشياءالصالح منها له وغير الصالح إلاّ بنور البعثة والنبوّة، وهو في ذلك حاله حال العين لاترى الأشياء إلاّ بوجود النور أو الضوء.

يتبع…

________________

(1) منتهى المطلب 1: 467 (حجري)، مسند أحمد 1: 42، 43، 6: 57، 107.

(2) ومنها رواية دخول امرأة النار في هرّة حبستها، فقد دخل أبو هريرة على عائشة، فقالت له: يا أبا هريرة أنت الذي تحدّث أن امرأة عُذّبت في هرّة لها ربطتها لم تطعمها ولم تسقِها؟ فقال أبو هريرة: سمعته منه ـ يعني النبي صلى الله عليه وآله ـ فقالت عائشة: أتدري ما كانت المرأة؟ قال: لا. قالت: إن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة، إن المؤمن أكرم على اللّه‏ من أن يعذّبه في هرة، فإذا حدّثت عن رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله فانظر كيف تحدّث». مسند أحمد 6: 299، المستدرك على الصحيحين 3: 513، تحفة الأحوذي 1: 261.

 ومنها ما فهمه محمّد بن مثنى العنزي ـ أحد شيوخ البخاري ـ من حديث أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله إذا زار المقابر، ورغب في الصلاة هناك، وضع عنزة بينه وبين القبر الذي يصلّي إليه كحاجز عرفي؛ لأن الصلاة بين القبور مكروهة، ثمّ صلّى. مسند أحمد 4: 307، 308، 309، صحيح البخاري 1: 127، 4: 175. فقال هذا الشيخ: نحن قوم لنا منزلة وكرامة. فقيل له: كيف؟ قال: لأن رسول اللّه صلى الله عليه وآله قد صلّى إلينا. سير أعلام النبلاء 12: 125، وادعى أنه قالها مازحا. والعنزة: العصا. العين 1: 356 ـ عنز.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة