كشكول الوائلي _ 122

img

شبهة أبي العلاء

وقد حصل لأبي العلاء المعري من هذا لبس في لحظة من اللحظات، فكان أن خطر بباله هذا السؤال: لماذا تؤخذ دية اليد خمسمئة دينار ذهب ـ وهي نصف دية الحر ـ لكنها تقطع إذا سرقت ربع دينار؟ يقول:

يد بخمسٍ مئين عسجد فديت *** ما بالها قطعت في ربع دينار

تحكّم ما لنا إلاّ السكوت له *** وأن نعوذ بمولانا من النار(1)

وأبو العلاء هذا كان قد مرّ بمرحلة من مراحل الشكّ، لكنه بعد ذلك استقام وتراجع عن جملة من آرائه. وهذه هي الصفة الغالبة عند أصحاب الاتّجاهات الفلسفية إذ يمرّون بحالات من الشك. ولو رجعنا إلى تاريخ الفلاسفة لوجدنا أن معظمهم قد مرّ بهذه المرحلة وتجاوزها؛ لأنهم يغوصون في مسائل عويصة. ومن له إلمام بالفلسفة يعرف ذلك. وقد أجاب بعضهم أبا العلاء عن إشكاله هذا بقوله:

عِزُّ الأمانة أغلاها وأرخصها *** ذُلُّ الخيانة فافهم حكمة الباري(2)

فاليد النظيفة مشرّفة ومحترمة طالما أنها نظيفة، لكنها إذا نزلت إلى الحضيض والاعتداء على الناس أصبحت وضيعة، وتدنّت قيمتها إلى ربع الدينار.

إن اللّه‏ تعالى أعطى الإنسان أعضاء ليستخدمها في فعل الخير وطرقه، ولم يعطِه إياها ليعتدي بها على الناس ويسرق ويضرّ المجتمع، ويلمس ما لا يجوز له أن يلمسه. فلا بد له من أن يستخدم الجارحة التي منحه اللّه‏ إيّاها في الطريق الذي رسمه له. واللّه‏ هو الذي أعطى الإنسان هذه النعمة من الأعضاء، فلو أنه أصيب بالشلل مثلاً وبقي عشرات السنين وذهب إلى أمهر الأطباء فلا يستطيع أن يعيد له حركة اليد، إنها هبة من اللّه‏ ونعمة، وقد تكفّل اللّه‏ بها على صعيد الإدامة لا على صعيد الإعطاء فحسب.

ولو أن عناية اللّه تنقطع عن الإنسان لحظة من اللحظات في أي مجال لانقطع عنه كل شيء. وعليه فينبغي ألاّ يكون شكر النعمة إلاّ باستخدامها في موضعها.

كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما يخرج من المسجد بعد الصلاة يمرّ بميثم التمّار أو جماعة من أصحابه، فيشتري لأهله شيئا، وغالبا ما يكون التمر، فيتسارع إليه شرطة الخميس ليحملوها عنه، فيقول لهم: «دعوها، إن أبا العيال أحق بحمله».

ويحمله بيده الشريفة، أي أنه عليه السلام يريد أن يفرح أطفاله وهم يرونه يحمل بيده شيئا لهم. وكم يفرح الطفل عندما يرى أباه يحمل بيده حاجة له. وأسأل اللّه‏ أن يهدي الآباء ويجعل دأبهم إدخال الفرح على أطفالهم، ولا ينفقوا أموالهم فيما لا يرضيه، فيرجع لأهله وهو يحمل الغضب والحقد والتصرف السيئ.

يتبع…

__________________

(1) فقه القرآن 2: 384، لسان الميزان 1: 205.

(2) بحار الأنوار 104: 9 ـ 10، الإقناع في حل ألفاظ أبي الشجاع 2: 190.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة