محاضرات إسلامية ـ 6

img

لماذا أعطيت وظيفة ذود عن الحوض للإمام الحسن (صلوات الله عليه)؟

لفهم ذلك لابد من العودة للدور الذي قام به الإمام الحسن (عليه السلام) وخصوصيات عصره.

ومقدمة لذلك نذكر ما يلي:

يقسم الشهيد الصدر أدوار الأئمة في صيانة الأمة إلى ثلاث مراحل:

  1. مرحلة ما بعد الانحراف: وهي التي كانت في عهد أمير المؤمنين و الحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام. وكانت وظيفتهم هو تفادي صدمة الانحراف بعد الرسول (صلى الله عليه وآله). هذا الانحراف الذي كاد أن يقضي على الإسلام ومصالحه والأمة الإسلامية فتصبح قصة قد انتهت من التاريخ. صدمة الانحراف تمثلت في أن شخصاً غير علي تولى الأمر بعد رسول الله.
  2. مرحلة البناء للجماعة الصالحة، وسيأتي تفصيلها.
  3. مرحلة التمحيص.

التجربة الإسلامية باعتبارها عملية تربية فهي تشمل ثلاث عناصر: فاعل وهو المربي، تنظيم يستمد من قبل الشريعة، ومن حقل لهذا التنظيم وهو الأمة.

الانحراف بدأ يغير العناصر الرئيسية لهذه التجربة، وغياب العنصر الفاعل وهو المربي من الخطورة بمكان تجعل البناء الذي توارد على بنائه 24 ألف نبي مهدد بالسقوط و الفناء؛ لأن تهدم ثلث البناء كفيل بهدم الجزئين الآخرين.

دور الأئمة هو القضاء على الانحراف في تجربة المجتمع الإسلامي وإرجاعها إلى وضعها الطبيعي وتعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً للأمة نفسها بغية إيجاد تحصين كاف في صفوفها لكي يؤثر هذا التحصين في مناعتها وفي عدم انهيارها مرة اُخرى.

الأئمة بعد تجربة الخلفاء الثلاث تكشّف لها ضرورة كون المربي إلهي فهرعت لأمير المؤمنين (عليه السلام) وعادت إلى حياضه هذا الشعور الذي بدأ ينمو في الأمة كان مخيف بالنسبة لأعداء الحق، فحين لم يستطيعوا حرف الأمة وإقصائها عن علي (عليه السلام) بدأو مرحلة التغطية و طمس معالم الشخصية الكمالية لعلي بطمس فضائله وتزويرها ونسبتها لغيره.

ثم بدأت مرحلة التشكيك في صوابية قرارات القيادة كما حصل مع الخوارج مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وبلغ أشده في عهد الإمام الحسن (عليه السلام) التي بلغ فيها مرحلة التشكيك إلى درجة أنه حتى المقربين كانوا يشككون في كفاءة القيادة وصوابية قرارتها عند غياب وجه مصلحة تلك القرارات عليها؛ لذلك عهد الإمام الحسن (عليه السلام) هو مرحلة تمحيص شديدة وغربلة مرت بها الأمة.

ومعلوم أن في مثل ظروف التمحيص الشديد يبان الثابت على الحق من المنحرف و الساقط من الناجح لذلك الإمام الحسن (روحي فداه)، كان هو القائد بعد علي للأمة، لكن الأمة التي لم تثق بعد في قراراته لم تسير معه وفق خطته التي رسمها لصلاحها وهذا واضح من خلال تخاذل حتى القادة عنه في حربه لمعاوية، بل كان له نوع توقف وتخبط فهنا بعد مرحلة التمحيص جمع الإمام من ثبت على الحق وسلمهم لأخيه الذي سار بمن وثق بالقيادة بعد أن اختبرهم وامتحنهم فلذلك لم يكن الحسن سائق، بل قائد، وكان الحسين سائق لأن الأمة سارت معه؛ لذلك كان الحسين هو الآمر؛ لأنه بعد مرحلة الوثوق بالقائد يكون لأمره موقعية في نفوس اتباعه وإلا لا رأي لمن لا يُطاع لذلك هو الآمر، وهذا واضح من تصريحاته قبيل الثورة: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (لمعالجة مرحلة صدمة الانحراف) آمر بالمعروف»([1]) ، وهو كان له دور معالجة مرض انعدام الإرادة مع وضوح الطريق. الآن هي لا تشك، بل متيقنة لكنها ليس عندها إرادة التحرك بل مبتلية بأخلاقيات الهزيمة فيناسبها السوق والدفع للتحرك وخلق تلك الإرادة التي ماتت في ضمير الأمة و تغيير أخلاقيات الهزيمة ومن هنا يتبين معنى كون: والحسن قايدها، والحسين سايقها.

يتبع…

____________

([1]) بحار الأنوار 44: 329.

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة