كشكول الوائلي _ 115

img

فالجهاز الإعلامي وسيلة تربوية ضخمة، وهو جهاز حساس جدا من هذه الناحية، وهو الجهاز الوحيد الذي يمكن أن يقف حائلاً دون الثقافات الوافدة أن تتسرّب إلى مجتمعاتنا وعقول أبنائنا بما يقوم به من دور إيجابي وفعّال في هذا المجال. فمعلوم أن فراغ البطن يولّد انحرافا عند الإنسان من ناحية الطعام وتحصيله ما لم يكن هناك توجيه في هذا الباب، وسدّ حاجة ذلك الجائع بما أسلفنا ذكره من مقوّمات النظام الاقتصادي والاجتماعي في الإسلام، وهي مقومات تقوم أساسا على مبدأ التكافل والتكافؤ.

وكذلك فراغ الفكر، فإنه يولّد انحرافا عقيديّا؛ لأن فراغ الفكر عند الإنسان يضطرّه إلى استيراد أفكار من الخارج. وغير خفي على الفطن وغيره ما تخفي الأفكار المستوردة بين طياتها من عناصر لهدم الشباب وآليات العمل الذي ترصد له الطاقات الفكرية والإمدادات المادية الضخمة من أجل بلوغه والوصول إليه. وحبذا لو قام الإعلام الإسلامي بمل‏ء أفكار الشباب بفكر واضح سليم، ينبع من قوانين الدين ونظمه، مع العلم بأن الإعلام يستطيع أن يوصل هذا الفكر إليهم؛ لأنه يستطيع أن يضع يده على مادّة دسمة تركها لنا مفكرونا وروّادنا، لها القابلية الكاملة والطاقة الكافية على مل‏ء ذهن الفرد المسلم، وتغنيه عن التطلّع إلى أي فكر آخر.

إذن فنحن في مسيس الحاجة إلى أن نفهم الإسلام فهما صحيحا، وأن نكون بعيدين عن التشنّج إزاء قضايانا وأبناء ديننا، وأن نشرب من ينبوع الدين ونهر الإسلام الخالد. وكمثال على ذلك فإننا حينما نقف عند نظرية لأحد فقهاء الخوارج أو لأحد فقهاء الظاهرية أو الإمامية أو الحنابلة أو الأحناف ـ بغضّ النظر عن مذهب صاحبها ـ فإننا يجب ألاّ نقف منها موقف المتشنّج، أو نتخذ إزاءها موقف عداء وحقد، بل يجب أن ننطلق من مبدأ أن هذا الفقيه ـ مهما كان مذهبه ـ إنما يستمدّ نظرياته وأفكاره من ينبوع الإسلام، وإن الجهة التي تغذّيه بهذه الأفكار وهذه النظريات هي الإسلام عبر الكتاب والسنة؛ وبالتالي فيجب أن نحترمها ولا نأخذ منها موقفا عدائيا.

فالمفروض أننا لا يعنينا أن تكون هذه المسألة التي اقتبسها وشرحها عالم ما للناس من أي مذهب كان ووفق أي مذهب كانت مادام مصدرها الكتاب والسنة.

إن الحق هو أن يكون هذا منطلقنا في الحياة وفي تعاملنا مع الآخرين من علماء ومفكرّين، وألاّ نحجر على أفكار هذا الفقيه أو ذاك، أو نغفل رأيه ونظرياته لأنه ينتمي إلى المذهب الفلاني، فهذه هي الصنمية بعينها.

ونحن بهذا اللون من التعامل البعيد عن التعصّب نفتح الطريق أمام مجتمعاتنا لتفكّر بنا. وعليه فإن الغيور على الإسلام يجب عليه أن ينهل من الينبوع الإسلامي عبر أي قناة توصله إلى ذلك النبع مهما كانت، ومهما كان المذهب الذي تمثّله ما دام يستمد فكره وقوانينه وتشريعاته من الإسلام.

إذن هناك مهمة مقدّسة وثقيلة تقع مسؤوليتها على عاتق وسائل الإعلام في البلدان الإسلامية، وهذه المهمة هي المساهمة في صنع الفرد المسلم الذي أراده اللّه‏، ويكون ذلك بمساهمة وجوه المحيط الاُخرى؛ حتى يتسنى لنا مل‏ء جوانب الفراغ عند هذا المسلم عن طريق تأمين وسائل حياته كافّة، وإشباع حاجاته الشخصية الأساسية. فعن طريق هذا المنظور فقط يمكننا صنع الفرد المسلم الذي رسم اللّه‏ سبحانه وتعالى ملامح شخصيته وبيّنها لنا.

واللّه‏ سبحانه وتعالى وحده المأمول في أن يعيننا على سلوك هذا الطريق، والثبات عليه حتى بلوغ الهدف؛ فلقد مرّت بنا تجارب قاسية حتى الآن انحرف البعض فيها بعيدا بعيدا عن الإسلام، وانجرف مع الحياة مبتعدين عن هديه. ولا يصلح آخر هذه الاُمّة إلاّ بما يصلح به أوّلها، فالاُمّة التي كانت تتشكّل من بضعة أشخاص استطاعت أن تدكّ بهم عروش كسرى وقيصر لم تصنع ذلك بالطلاسم والسحر، وإنما صنعته بعد أن صنعت أولاً الفرد المسلم الذي آمن بالإسلام واندكّ في تعاليمه وقواعده وأهدافه، والذي لم يكن يحسّ بأي نقص أو فراغ في حاجاته، فانطلق يحطّم عروش الطغاة ويصنع المعجزات.

ونحن إن شاء اللّه‏ على ذلك الدرب وعلى تلك المسيرة، ولنا وللّه‏ الحمد من ديننا وسيرة نبيّنا وأيمّتنا ما يعصمنا وما يقوّمنا وما يعيننا على تقويم اعوجاجنا وانحرافنا، واللّه‏ وحده هو المسؤول في هذه الليالي المباركة أن يرحمنا برحمته، وأن يجعلنا دائما في خط «لا إله إلاّ اللّه‏»، وأن يغنينا بما أغنى به سلفنا الصالح من ركوب جادّة الطريق المستقيم، والتحلّي بالإيمان القويم حتى نصل إلى ما أراده اللّه‏ تعالى لنا من خلافة في الأرض؛ فهو ولي الإعطاء والمنع. والسلام عليكم ورحمة اللّه‏ وبركاته.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة