كشكول الوائلي _ 118

img

وعليه فقوله تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ بمعنى قدّر، وهذا يعني أنه تعالى هو الذي يتحكّم بجنس الجنين، وسائر صفاته. فاللّه‏ تعالى وحده هو المقدّر دون غيره، فلا المرأة لها دخل في تحديد جنسه ولا غيرها، بل هو اللّه‏ تعالى الذي يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثَا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانَا وَإِنَاثَا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمَا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (1). فكل هذا بيد السماء؛ لأن هذه البويضة غير الملقّحة فيها اثنان وعشرون صبغيّاً جسميّا وصبغي(2) واحد جنسي، وهو ما يرمز له بالرمز( عليه السلام ) كما يعبّر عنه علماء الطبّ. ومن أراد أن يطّلع أكثر على هذه المعلومة فليرجع إلى كتب الطب المختصّة بهذا المجال.

إذن فالذي يتحكّم بجنس الجنين هو نطفة الرجل(3)؛ حسب نوع الصبغي الجنسي المختصّ به. فالرجل يكون صبغيّه عادة إما بالرمز (x) أو برمز (y)، وحينها يتعيّن جنس الجنين(4).

وإذا كان الأمر كذلك فما ذنب هذه المرأة التي تحمل تبعة هذا الأمر مع أنها لا دخل لها فيه أبداً؟ والمشكلة أن هذا الأمر ظاهرة اجتماعية ورثناها، والميراث الاجتماعي عسير رفضه والتخلّص منه، وهو ميراث يُغلغل في رأس العربي فكرة أن الاُنثى إذا جاءت فلا مكان لها إلاّ القبر، يقول شاعرهم:

القبر أخفى سترةٍ للبناتْ *** ودفنها يُروى من المكرماتْ

ألم ترَ الرحمن عزَّ اسمه *** قد وضع النعش بجنب البناتْ (5)

وهو هنا يشير إلى المجموعة النجمية المسمّاة «بنات نعش»، أي أن البنت حينما تولد لا بدّ أن يكون النعش قربها؛ فهو لازم لها ما، إن تولد حتى تدفع فيه وتدفن. إنها فلسفة حياة جائرة تفرّق بين الذكر والاُنثى؛ فمن أين جاءت هذه الفوارق؟ وما هو منشؤها؟ مع أن الفتاة ربما كان عندها من المزايا ما لم يكن عند الولد؛ فهي عادة أكثر مودّة وإخلاصاً في عملها وفي بيتها. ولو أن من يذهب هذا المذهب يطّلع على الروايات الواردة في مجال تربية البنت ورعايتها لما لبث على فكره هذا، ومن هذه الروايات قول رسول الله صلى الله عليه وآله: « من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة ». فقيل: يا رسول اللّه، واثنتين؟ فقال صلى الله عليه وآله: «واثنتين». فقيل: يا رسول اللّه، وواحدة؟ فقال صلى الله عليه وآله: « وواحدة »(6).

والروايات بهذا الصدد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام كثيرة، دخل على الإمام الصادق عليه السلام أحد أصحابه، وكان عابسا، فسأله عن شأنه، فقال له أحد الجالسين: يابن رسول اللّه‏، لقد رزقه اللّه‏ بنتا. فقال عليه السلام : « أتريد أن تغيّر خلق اللّه‏؟ ».

فمن قال: إن البنت ليس فيها عطاء لأهلها أكثر من العطاء الذي يكون من الولد؟ إن اللّه‏ تعالى يثيب الرجل على تربية ابنته أضعافاً. ثم إنه تعالى هو الذي اختار أن يكون المولود اُنثى، ومن يعترض على هذا فإنما يخالف ما اختاره له اللّه‏ تعالى؛ لأنه جلّ وعلا هو الذي يهب ويعطي.

إذن فـ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ يعني أن المعادلة بيد اللّه‏ تعالى، هو الذي يخلق الإناث وهو الذي يخلق الذكور وفق ما تقتضيه المصلحة المتعلّقة بكل فرد على حدة. وهكذا فإن على الفرد المسلم أن يذعن إذعاناً كاملاً لإرادة اللّه‏ جلّ وعلا، لا أن يقترح عليه تعالى.

نعم له أن يدعو اللّه‏ تعالى بما يريد، لكن لا يفرض من خلال دعائه شيئاً على إرادة اللّه‏ جلّ وعلا، ثم إن الدعاء يجب أن يكون في حدود الواقع، فالإمام عليه السلام يقول في دعائه: « ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي؛ لعلمك بعاقبة الاُمور »(7). ولهذا فإن الاتقياء حينما يسألون عما سيختارون فانهم يجيبون بأنهم يختارون ما يختاره اللّه‏ تعالى لهم، وأنهم لا يقترحون عليه تعالى شيئاً.

فاللّه‏ تعالى هو الذي يخلق الذكر والاُنثى، وكل منهما له مجال تحركه الطبيعي.

يتبع…

___________________

(1) الشورى: 49 ـ 50.

(2) هو الكروموسوم.

(3) لا الرجل نفسه وبإرادته.

(4) فإن لقّحت البويضة بكروموسوم (x) كان الجنين اُنثى، وإن لقّحت بكروموسوم (y) كان الجنين ذكراً.

(5) فيض القدير شرح الجامع الصغير 3: 555، كشف الخفاء 1: 407 / 1308.

(6) الكافي 6: 6 / 10، مسند أحمد 2: 335.

(7) مصباح المتهجّد: 564 / 664.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة