فليرحل معنا ـ 2

img

تقديم: هدى الشملاوي/ أم السادة

قيل: انظروا إليه لا يبالي بالموت! وكان يقول لأصحابه: «صبراً بني الكرام! فما الموت إلاَّ قنطرة يعبر بكم عن البؤس والضرَّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة». وسبب هذا المشهد الراقي هو نظرة الإمام الحسين عليه السلام إلى الموت بأنَّه وصل وليس بفصل، فهو يعبر عن الموت بقوله: «لقاء الله»، من كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا». فقد أراد عليه السلام بهذه البداية الواضحة أن تصغر الدنيا في أعين سامعيه، فهي دار كل ما فيها مصيره الزوال ونهايته الحتمية هي الموت، فلا مسوّغ للتشبث بها وارتكاب المعاصي ومخالفة أوامر الله من أجلها، وهذا كان أول المحفزات في خطابه وكان له مغزى وراء ذلك؛ لأن الإخلاد إلى الأرض الفرار من الموت والتشبث بالدنيا ـ كما هو بلاءنا اليوم ـ كان بلاء الناس في ذلك الزمان أيضاً، زمان بني أمية، فبدأ الإمام بعلاج هذا الداء الروحي المستشري في الأمة من جراء سياسة بني أمية (لعنهم الله)، هذا أولاً.

ثانياً: أنه عليه السلام كان يتكلم مع الناس بكل واقعية و بمنتهى الشفافية: نحن سائرون‌ إلى الموت‌ الذي‌ لا بدّ منه‌، طريقي طريق موت وليس لدي خيار آخر، ولم يكتف بذلك، بل ويذكر تفاصيل موجعة ومؤلمة لمكان وكيفية استشهاده نقف عليها لاحقاً إن شاء الله، بل ويقول: إنني في هذه الأوضاع العصيبة التي صرت إليها أحسّ بانشداد عميق نحو الموت والشهادة، كان الحسين عليه السلام ولهاً بالشهادة، ولهاً باللحوق بأجداده وأسلافه؛ «وما أولهني إلى أسلافي»، أسلافه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، علي عليه السلام، فاطمة سلام الله عليها، الحسن عليه السلام، «وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف».

 عندنا حب وعندنا عشق وعندنا وله، والوله أشد المراتب وأعظمها؛ لأن الحب هو ميل الإنسان إلى شيء معين، والعشق هو تعلق القلب بذلك الشيء بحيث لا ينساه ولا يفارق ذكره، وأما الوله: فهو أن تتفاعل جميع قواك وجميع جوانحك بهذا الشيء دائماً تلهج بذكره وتتصوره، وفي هذه الفقرة بالذات يعلمنا الإمام كيف ينبغي أن تكون العلاقة مع المعصوم.

وهنا يكمن المحفز الثاني؛ فإن شوق القائد إلى الشهادة يعطي أتباعه تحفيزاً، وحماساً، ولهيباً نحو الهدف الذي يريد الوصول إليه. حتى وإن كانت المعركة التي سيخوضها مأساوية لم يُراد لها تحقيق أي نصر عسكري فإني سأقدم عليها بكل وله، ويدق هنا ناقوس الحزن والخطر فيقرع القلوب «كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات» ـ على ما سيأتي بيانه إن شاء الله ـ ثم ينتق الى ذكر جملة من مميزاته وخصائصه التي تعد محفزاً ثالثاً لمن يستمع إليه فيقول:

«وخير لي مصرع أنا لاقيه»، هذا المصرع اختيار من الله عز وجل، أي من إرادته التكوينية، ويُذكر معنى آخر لعبارته الشريفة أن مصرعه خيرٌ للاُمة على حسب القراءتين الواردتين للفقرة.

التسليم: لا محيص عن يوم خط بالقلم، الحسين عليه السلام يعبر عن مرتبة التسليم وهو أن تبذل كل ما عندك في سبيل رضا الله عز وجل؛ لذلك كان يقول يوم عاشوراء: «اللهم رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك يا غياث المستغيثين».

الإمامة: الحسين عليه السلام يعبّر عن مواصفات الإمامة، يقول بطريقة غير مباشرة: أنا إمام، وإن مواصفات الإمامة متوفرة في شخصي، ويذكر أهم مواصفات الإمامة وهم مؤهلان:

المؤهل الأول: العصمة

«رضا الله رضانا أهل البيت»، يشير إلى عصمتهم عليهم السلام؛ لأنه لما كان رضانا متعلق: رضا الله على وحيث إن الله سبحانه لا يرضى بالمعصية صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن لا نرضى بالمعصية ولا نرتضيها، فنحن معصومون عن الزلل، ففي كل أمر إذا كان المورد مورد رضا الله فهو مورد رضانا.

يتبع…

الكاتب الادارة

الادارة

مواضيع متعلقة