شعراء القطيف (المرهون)

img

{ 14 } الشيخ محمد الشويكي

المتوفّى سنة ( 1254 )

علاّمة شهير، وأديب فذ، معروف بالتقى والورع والصلاح، وأحد علمائنا الأعلام في القرن الثالث عشر. والشويكي نسبة إلى بلده ومحلّ توطّنه (الشويكة) مدخل مدينة القطيف من الجهة الجنوبية. معاصر للمشهدي الآتي ذكره، ومجارٍ له في أدبه، ( تغمده اللّه‏ برحمته، وصب على قبره شآبيب الرضوان ). وإليك من أدبه قصيدته الرائعة التي يقولها:

في رثاء الحسين عليه السلام

مررت على تلك الديار البلاقعِ *** فناديت هل لي من مجيب وسامعِ

يخبرني عن حاله فأجابني *** مجيب بصوت خارق للمسامعِ

تيقّظ فإن الموت لا شك نازل *** عليك وليس المال عنك بدافعِ

تحذّر من الدنيا فإن بقاءها *** فناء وما يبقى بها من مطامعِ

فكم من مليك قد تمكن ملكه *** سقته سموماً من كؤوس النواقعِ

وكم من تقي عابد متورّع *** يناجي إله الخلق في كلّ جامعِ

رمته بسهم من كنانة خدعها *** فاُبعد عن محرابه والصوامعِ

فأين الملوك المالكون رقاب من *** غدا مالكاً كلّ الرقاب الخواضعِ

فأين القصور الشامخات ومن غدا *** هباء ولا جهداً بها كل صانعِ

وأين الاُلى سادوا وجادت بفضلهم *** على الناس طراً من منيع ومانعِ

وأين ملوك الأرض شرقا ومغربا *** ومن هي في تلك الحصون المرابعِ

بهم عصفت ريح المنون فأصبحوا *** كأعجاز نخل جثّما في المصارعِ

بهم غدر الدهر الخؤون بمكره *** فلا غرو من فعل الزمان المخادعِ

أجاش على آل النبي جيوشه *** وفرّقهم في كلّ وادٍ وشارعِ

فمن بين مسموم وبين مشرّد *** ومن بين مقتول بأبيض قاطعِ

ومنهم شهيد الطف سبط محمد *** ونجل عليّ خير مولىً وشافعِ

فريدا بأرض الطف ينظر صحبه *** على الترب صرعى كالنجوم اللوامعِ

ولم أنسَه إذ سار سرعاً مبارزاً *** إلى خيم النسوان أي مسارعِ

فودعهم والدمع في الخدّ مسدل *** أيا أهلُ صبرا للبلا والفواجعِ

لقد قربت آجالنا وتصرّمت *** لأعمارنا أيامها بالفظائعِ

فقد ذبح الأعداء صحبي ومعشري *** وأجسامهم مصبوغة بالفواجعِ

ساُذبح عطشاناً واُضحي مجدّلا *** ويصبغ شيبي من دمائي بناجعِ

وتجري خيول الظالمين بأضلعي *** واُضحي على الرمضا كسير الأضالعِ

فنادت أبي أوجعت قلبي بحسرة *** وهيّجت أحزاني بذكر المصارعِ

فمن ذا ترى يحمي حريم محمد *** ومن ذا لأطفال صغار وراضعِ

فجاؤوا له بالطفل يبكي وقلبه *** به ظمأ والصيف آي لوادعِ

فنادى العدا والطفل فوق يمينه *** أما من مغيث فيكمُ ومسارعِ

ليسقي رضيعي شربة قبل موته *** فذلك عند اللّه‏ ليس بضائعِ

فجاؤوا لنحو الطفل سهما لنحره *** فخرّ صريعاً في يدي خير شافعِ

طريحاً على الرمضا غسيلاً بدمّه *** ذبيحاً بسهم من شقي مخادعِ

فحين رآه السبط يفحص في الثرى *** دعا خذ بحقّي من عدوّي ومانعي

وصال على الأعداء يحمل فيهِمُ *** فأسقاهُمُ كأس السموم النواقعِ

فولّوا هزيما خوف سطوة بأسه *** فأتبعهم ضرباً بطعن متابعِ

إلى أن حموا ماء الفرات وحرّموا *** عليه وروداً من جميع المشارعِ

وحاطوا به فرداً وحيداً معطشاً *** ولم يلقَ منهم غير أطوس دارعِ

وقد صوّبوا نحو الحسين سهامهم *** وأرماحهم من كلّ أسمر شارعِ

إلى أن هوى وا حسرتاه لسيّد *** بسهم المنايا من خبيث المراضعِ

فأدبر ميمون المطهر خالياً *** إلى نسوة لبّين أي مسارعِ

فجئن إلى نحو الحسين بكربلا *** فعاينّ بدراً آفلاً غير طالعِ

وفي صدره شمر وقد شدّ نحره *** لينحره ظلماً بأبتر قاطعِ

فصحن به يا ويك فابدأ بقتلنا *** وخلِّ كفيلاً للحريم الضوائعِ

فدافعهم عنه بضرب مؤلّم *** وحزّ كريم السبط غير مراجعِ

وعلاّه وا لهفي وطول تأسّفي *** على رأس عسّال لأ نذل رافعِ

وخلّف منه الجسم ملقى على الثرى *** غسيلاً بفيض النحر من فعل شانعِ

فضمّخن منهن المفارق بالدما *** ونِحن له نوح الحمام السواجعِ

وزينب تدعو يا أخي يا مؤمّلي *** ويا منيتي قد صار رزؤك صارعي

فديتك ياسؤلي ويا حصن ملجئي *** طريحاً ذبيحاً ثاوياً في المصارعِ

فديتك محزوز الكريم على القنا *** فديتك مذبوحاً كسير الأضالعِ

فيا ليتني قد حان يومي ولا أرى *** لشيبك مخضوباً بدار الفواجعِ

أخي لو ترى حال اليتامى بذلّة *** وقد سلبوا عنها جميع البراقعِ

أخي حرّق الأعدا عناداً خيامنا *** وقد شتّتونا في جميع الشوارعِ

أخي أوجعوا الأجساد منا بضربهم *** ونحن سبايا ما لنا من مدافعِ

أخي من ترى يحمي حريم محمد *** ومن لليتامى الضائعات الضوائعِ

أخي خانني دهري وكدّر عيشتي *** وأحرمني نومي وأجرى مدامعي

فيا ليت عيني لا تراك مجدّلاً *** ويا ليت صمّ الدهر مني مسامعي

ويا ليتني كنت الفدا لك يا أخي *** ويا ليت سهم الموت قبلك قامعي

متى يا سرور النفس تأتي وتشتفي *** وتسمح أيامي بردّ البضائعِ

متى ينجلي غيم المصائب يا أخي *** وتبقى بشمل للأحبّة جامعِ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة