«وإذا كنت بين الناس فاحفظ لسانك»

واللسان من نعم الله الكبيرة على الإنسان، يقول تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾ [البلد: 8 ـ 9]. ولهذا امتن به الله جل وعلا على عباده من دون المخلوقات؛ وذلك لأنه فيه بصورة أفضل.

أولاً: إنه وسيلة إلى اللغة، واللهجة أهم وسائل ارتباط الإنسان بغيره، ونقل المعلومات وتبادلها بين أبناء البشر في الجيل الواحد والأجيال المتعاقبه. يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22].

ودون شك أن الحياة الاجتماعية للبشر لا يمكن أن تكون بغير معرفة الأفراد والأشخاص، ولو كان الناس جميعاً في يوم ما على صورة واحدة ولباس واحد فإن أسلوب حياتهم يضطرب في ذلك اليوم؛ إذ لا يعرف الأب والابن والزوج من غيره، ولا يميز المجرم من البريء ولا الدائن من المدين، ولا الآمر من المأمور، ولا الرئيس من المرؤوس، ولا العدو من الصديق، مما ينتج اختلال الوضع العام، حتى قالوا: إن امرة عندها توأم يتشابهان فمرض أحدهما فسقت الدواء للولد السليم.

لذلك خلق الله الألوان والأصوات لتنظيم المجتمع البشري. وبتعبير الرازي: إن معرفة الإنسان للإنسان تحصل إما عن طريق العين أو الأُذن، فخلق الله الألوان والصور والأشكال المختلفة لتعرفها العين وتشخّصها، وأوجد اختلاف الأصوات لتشخصها الأذن، حتى إنه لا يمكن العثور في جميع العالم على إنسانين متشابهين في الوجه والصوت معاً^([1]). هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى إن المراد باختلاف الألسنة كما أشار إليه كبار المفسرين هو اختلاف اللغات، مثل العربية والفارسية والفصاحة والبلاغة والطلاقة، وربما كانوا من أب واحد وأم واحدة كما كان موسى وهارون’. قال تعالى حكاية عن كليمه موسى×: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ [القصص: 34]. وكان ذلك بسبب تأخر الرضاعه أي معيناً ﴿يصدقني إني أخاف أن يكذبون﴾

وكلمة أفصح مشتقة من الفصيح، وهو في الأصل كون الشيء خالصاً كما تطلق على الكلام الخالص من كل حشو وزيادة، أو الكلام البليغ، وقد ذكر الله عن نبيه موسى× أنه قال ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: 27 – 28].

___________________

([1]) نقله عنه في التفسير الامثل 12: 498.

ـ يتبع ـ