كشكول الوائلي _ 8

img

تاريخ التراب

ثم نأتي إلى تأريخ التراب وهو الذي أشارت له الآية: “قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ“، فالقرآن يأمرنا أن نستمدّ بعض معلوماتنا التأريخيّة من التراب الذي هو أحد أقسام التأريخ. فمثلا لدينا الآن من يقول: إن الأرض بنت الشمس، فإذا أردت أن أعرف مدى صحّة هذه المعلومة فإن الرواية لا تنفعني هنا، بل ليس هذا من شأن الرواية إذ الذي عليَّ فعله هنا هو أن اُحلل عناصر من التربة واُخرى من خلفيّات طيف الشمس، فإن وجدت أن بينهما شبهآ فهذا يعني صحّة ما يقال من أنها ابنة الشمس، وإلّا فلا صحّة لما يقال. فهذا التأريخ أخذناه من التراب.

ومثله ما لو أنني أردت معرفة الكائنات التي وُجدت على الأرض ثم انقرضت، مثل الديناصور وغيره، أو أنني أعرف الآن أن بيني وبين آدم (عليه السلام) خمسة عشر ألف عام، ولمّا كان آدم (عليه السلام) أبو البشر، فهل يمكن أن أتعرّف على بشر آخرين عاشوا قبل آدم (عليه السلام) في أي مكان من العالم؟ فعلي في هذه الاُمور الرجوع إلى مدفونات التربة. وحدث قبل سنين أن استُخرج من التراب في إقليم هيتي في الصين متحجّرات إنسان يعود تأريخه إلى مليوني سنة. وهذا الأمر قد يحلّ مشكلة من المشاكل، فأعرف أن آدم (عليه السلام) ربما كان في أرضنا هذه، وكان غيره في أراضٍ اُخرى، وبذلک أتخلّص من الفرضيّة القائلة بأن آدم زوَّج بناته من بنيه، فيمكن أن يكون بنوه قد تزوّجوا من إقليم آخر.

ومن الأمثلة على تأريخ التربة أن الروايات تذكر لنا أن أجساد الأنبياء والشهداء لا تنال الأرض منها شيئآ. وهنا علي أن آخذ هذا التأريخ من التراب؛ لأن الكتاب قد يكذب، أما التراب فلا.

قبر الحر الرياحي

يقول المؤرخون: لما جاء الشاه إسماعيل الصفوي لبناء العتبات المقدّسة بنى أولا قبر الحسين (عليه السلام) وقبور الشهداء، فقيل له: إنک أغفلت قبر الحرّ بن يزيد الرياحي (رحمه الله)، فقال: إن في نفسي منه شيئآ؛ لأنه آذى الحسين (عليه السلام) وأرعب عائلته وجعجع به. فقيل له: إنه تاب واستشهد في سبيل الله وجاهد وأبَّنه الحسين (عليه السلام) واعتزّ به. فارتدع الشاه إسماعيل وقرر بناء القبر، فجاء إليه وأمر بنبش القبر ـ والعهدة على الراوي ـ فنُبش وانتهوا إلى جسد الحرّ (رحمه الله)، فوجدوه ملفّعآ بكفن وعلى رأسه عصابة، فسأل الشاه إسماعيل عن هذه العصابة فقيل له: بلغنا أن الحسين (عليه السلام) عصبه بها، وهي منديل الحسين (عليه السلام). فأراد الشاه أخذ المنديل، فلمّا أماطوا المنديل انبعث الدم، فأرجعوه فانقطع الدم، وهكذا ثلاث مرات، حتى صرف الشاه نظره عن هذا الموضوع وترک المنديل.

وقد كانت هذه النظرية ـ أن الحرّ بن يزيد (رحمه الله) آذى الحسين (عليه السلام) وأرعب عائلته وجعجع به ـ موجودة في كتب التأريخ، ثم عُزف عنها، يقول الشاعر عبد الحسين الأعسم:

ألا يا زائرآ بالطفّ قبرآ *** به ربحت لزائره التجارهْ

أشر للحرّ من بُعدٍ وسلمْ *** فإن الحرَّ تكفيه الإشارهْ

ثم رجع هذا الشاعر وارتدع عن هذه النظريّة بعد أن ذكرت له الروايات. ووقف أحد الشعراء من بيت الهرّ في كربلاء فكتب له:

زرِ الحرَّ الشهيد ولا تؤخرْ *** زيارته على الشهداءِ قدِّمْ

ولا تسمع مقالة أعسميٍّ *** (أشر للحر من بعدٍ وسلمْ)

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة