شرح دعاء الصباح 58

img

 ﴿وَهذِهِ أعباء ذنُوبي دَرَأتُها بِرَأفَتِكَ وَرَحمَتِكَ، وَهذِهِ أهْوائي المُضِلَّةُ وَكَلتُها إلى جَنابِ لُطفِكَ وَعَفوِكَ﴾

«أعباء» جمع العِبء ـ بالكسرـ بمعنى الحمل والثقل من أي شيء كان. «درأتها»: دفعتها. و«الرأفة» أرقُّ من «الرحمة» ولا تكاد تقطع في الكراهة، والرحمة قد تقطع للمصلحة، كذا قال بعض أهل اللّغة. و«الأهواء» ـ بقرينة التوصيف «بالمُضِلَّة»، وبقرينة المقابلة للنّفس في قوله: «وهذه أزِمَّةُ نَفْسي» ـ المراد بها: الوساوس الشيطانية الداعيّةُ إلى مخالفةِ الحق والانحرافِ عن الشّرع وارتكابِ المحظور، لا الهواجسُ النفسانية التي فيها حظوطٌ للنفس وإنْ ناسَبَها لفظُ «الهوى»، إلّا إنّ المراد: الهوى المشفوع بالإغواء. وقد مر في «الخواطر» ما يوضح المقام.

«وكلتها» ـ بالتّخفيف ـ من «وكّل» الأمر إلى الله «يكل»: استسلم إليه. والمقصود ـ كما أشرنا سابقاً ـ: الاعتصامُ بحول الله تعالى وقوته.

وفي الأداء بصيغ التكلم في المقامات الثلاثة إشارةٌ إلى أنّ الروح الإنساني من عالم أمر الربّ، ومن معدن السطوة والقدرة، استذلّتْه مجالسة الدّيدان، والتّلويث بالتّربان. وإلّا فإن اجتمع في نفسه، وتوحّد في قواه، وتفرّد في عزائمه المتشتتة؛ بحيث كان همّه واحداً، وأوراده وِرداً واحداً، وكان في خدمة الله سرمداً، نفذتْ همّته كما قال×: «يَدُ الله مَعَ الجَماعَة([1])وقدرته نافذة»([2]). وقال عليّ×:

دواؤك فيك وما تبصر

  وداؤك منك وما تشعرُ([3])

وفي الحديث القدسي: «يابن آدم، خلقتك للبقاء وأنَا حَيٌّ لا أمُوتُ، أطعني فيما أمرتُك، وَانتَهِ عمّا نهيتكَ أجعَلُك مثلي حيّاً لا تموت»([4]).

وورد عن النبي الختمي| في صفة أهل الجنّة أنّه «يأتي إليهم المَلَك، فإذا دَخَلَ عَلَيهِمْ ناوَلَهمْ كِتاباً من عند الله بعد أن يُسلّم عَلَيهِمْ مِن الله. فإذَنْ في الكتاب: مِنَ الحيّ القيّوم الّذي لا يَموتُ إلى الحي القيّوم الذي لا يموت. أمّا بعد، فإنّي أقولُ للّشيء: «كُنْ» فـ«يكون»، وقد جعلتُك اليوم تقولُ للشيء: «كُن» فـ«يكُون»».

والمراد من المثليّة: المثالّيةُ والتخلّقُ بأخلاق الله ليس كمثله شيء وله المَثَل الأعلى. وقوله×: «من الحيّ القيّوم» هذا على دأب العرب في مكاتباتهم فيكتبون في أول المراسلة: من محمد بن علي إلى علي بن أحمد مثلاً. ثم المراد من الثّاني: الحيّ بحياة الأول، والقيوم بقيوميّته، لا الذي يكون شيئاً بحيال نفسه؛ إذ لا تشريك في أمر الله الواحد القهّار.

قوله تعالى: «تقول للشيء: كن فيكون»، بل قبل موتك الطبيعي لو بُدِّل وجودك الكوني إلى وجودك الأمري وخرجتَ من ذُلِّ «كُنْ» بأنْ تترقّى من مقام يكون إلى نفس «كن» لأُعْطيتَ التّصرف ويحصل لك مقام «كن»؛ فإنّ العارف أصناف؛ فمن عارف عالم بالحقائق فحسب، ومن عارف متصرّف في المواد خاصة مظهر للقدرة وليس له العلم التفصيلي بالحقائق، ومن عارف ذي الرئاستَيْنِ عالم متصرف معاً، له السيدودة العظمى. لكنّ الكل بإذن الله ليس له من الأمر شيء.

يتبع…

الهوامش:

([1]) أي مع جمعية القوى، وتبدّل تشتُّتها بالتوحُّد، وصيرورة الإرادات للمرادات الجزئية المتفرّقة إرادةً واحدةً لمراد واحد، ومطلوب فارد، هو منتهى المطالب، كما قيل:

از يكى گو و از دوئى يكسوى باش

  يكدل و يك قبله و يك روى باش

ويكون حينئذ قدرة الله نافذة في قدرة العبد الحقيقيّ، ويصير كالممسوس؛ إذ لا يريد إلّا ما أراد الله تعالى، وصار كالميّت بين يدي الغسّال، وإرادة الله فعّالة. منه.

([2]) شرح الأسماء الحسنى 2: 80.

([3]) الديوان المنسوب الى الإمام عليّ×: 103.

([4]) شرح الأسماء الحسنى 2: 80.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة