شرح دعاء كميل (25)

img

﴿وَاَستَشفِعُ بِكَ إلىَ نَفسِكَ

أي: أجعلك شفيعاً لشفاعة نفسي الخاطئة الجانية إلى ذاتك المقدّسة العالية في العاجلة والآجلة، يوم لا يشفع الشّافعون إلّا بإذنك، وهو يوم: ﴿لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى([1]).

[البحث في الشّفاعة]

والشفاعة ـ كالمغفرة والعفو ـ تقع لأصحاب الكبائر إذا ماتوا بلا توبة، وجميع العلماء اتّفقوا على هذا إلّا المعتزلة، فإنّهم في كتبهم فسّروا الشفاعة بطلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب([2])، وقالوا أيضاً بمنع العفو لأصحاب الكبائر([3]).

[نقل كلام المحقّق السّبزواري]

وقال صدر المتألّهين+: «إنّ حقيقة الشفاعة بروز صور دلالات الأدلّاء على الله في الدنيا بصور الشفاعات في الاُخرى، إذ الكلّ يسعدون بدلالة شرائع الأنبياء ورشد طرايق الأئمّة الهداة^ في الاُخرى، وهداية النبي الداخل ـ أعني العقل الّذي هو الحجّة البالغة أيضاً ـ بهداية روحانية النبي والوصي والولي الخارجين؛ لأنّ كلّ العقول في تعقّلاتهم يتّصلون بالعقل الفعّال وبروح القدس، كما هو مقرّر عند الحكماء قاطبة، فهي كمرائي حازت وجوهها شطر مرآة كبيرة فيها كلّ المعقولات، فيفيض على كلٍّ قسطه بحسبه: «وروح القدس في جنان الصّاقورة([4]) ذاق من حدائقهم الباكورة([5])»([6]).

بل الشفاعة منها تكوينيّة سارية، ولكلّ موجود منها قسط بحسب دلالته على الله تعالى، كالنبوّة التكوينيّة السارية، كالمعلّم بالنسبة إلى الأطفال، والرجل بالنسبة إلى أهل بيته، ولهذا ورد: «أنّ المؤمن يشفع أكثر من قبيلة ربيعة أو مضر»([7]).

ومنه: شفاعة القرآن لأهله، وأمثال ذلك.

لكن لمّا كان دلالتها بتعريف النبوّة وإرشاد الولاية في الظّاهر أو في الباطن ـ وفي الشرائع والطرائق والحقائق: الفقهاء مظاهر الأنبياء، والعرفاء مظاهر الأولياء والأوصياء، ومناهج الظّواهر والمظاهر في الأوائل والأواخر كأنهار أكابر وأصاغر، من قاموس منهج خاتمهم، كما قال‘: «الشريعة أقوالي، والطريقة أفعالي، والحقيقة حالي»([8]). وله السّيدودة العظمى على جميعهم، كما قال‘: «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر»([9])، وقال: «آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة»([10]) ـ ختم عليه الدّلالة العظمى في الاُولى، والشّفاعة الكبرى في الاُخرى، كما قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى([11])».

ثم قال: «إن قلت: كيف يتحقّق الشفاعة في الاُخرى لمن يرتكب الكبائر، ولا دلالة ولا هداية له في الاُولى.

قلت: لا يمكن ذلك، إذ له عقائد صحيحة ـ ولو إجمالية ـ متلقّاة من الشارع ظاهراً وباطناً، وربّما يكون له خصال حميدة، ولا أقلّ من خواطر حقّة ثابتة، على درجات متفاوتة، ولا سيّما أنّ العبرة بأخيرة حالاته ونهاية أوقاته، [كما قيل:

هيچ کافر را به خواری منگريد

که مسلمان مردنش باشد اميد([12])]([13])

ولو فرض خلوّه عن جميع الوسائل وانبتات يده عن تمام الحبائل، فنلتزم عدم حصول الشفاعة له([14])، ولهذا وقع في الدعاء: «اللَّهُمَّ قَرِّبْ‏ وَسِيلَتَه وَارْزُقنَا شَفَاعَتَهُ»([15])»([16]) انتهى.

ثمّ مراده من جعله تعالى شفيعاً لجرائمه وآثامه عنده تعالى، هو طلب العفو والمغفرة منه تعالى على سبيل الكناية التي هي أبلغ من التصريح وأدعى منه.

 _____________

([1]) الأنبياء: 28.

([2]) انظر: أوائل المقالات (للشيخ المفيد): 47. بحار الأنوار 8: 63. تفسير الرازي 3: 56.

([3]) بحار الأنوار 6: 7 ـ 8، حيث حكاه عن «العلّامة الدواني».

([4]) قال الخليل: «والصاقرة  والصاقورة : النازلة الشديدة، لم يسمع إلّا بالصّاد، والصاقورة: اسم السماء الدنيا. والصاقورة: باطن القحف المشرف على الدماغ فوقه، كأنّه قعر قصعة». وقال إبن فارس: «ويقال: إنها السماء الثالثة». انظر: العين 5: 60، مادة «صقر». معجم مقاييس اللّغة 3: 297، مادة «صقر».

([5]) الباكورة : أَوَّل الفاكهة، أَوَّل كلّ شيءٍ باكورتُه. لسان العرب 4: 77، مادة «بكر».

([6]) بحار الأنوار  26: 265، وفيه: «حدائقنا» بدل «حدائقهم».

([7]) لم نعثر بعينه، ولكن انظر: بحار الأنوار 8: 34، و 58/ 75.

([8]) عوالي اللئالي 4: 124/ 212.

([9]) الأمالي (للصدوق): 254/ 279. عيون أخبار الرضا× 2: 38/ 78. وسائل الشيعة 25: 23، أبواب الأطعمة المباحة، باب 10، ح 31038.

([10]) مناقب آل أبي طالب 1: 183. عوالي اللئالي 4: 121/ 198. بحار الأنوار 39: 213.

([11]) الضحى: 5.

([12]) مثنوي معنوي: 909.

([13]) ليست في المصدر.

([14]) في المصدر: بإضافة «﴿لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾».

([15]) الصحيفة السجادية: 207، دعاؤه عند ختمه القرآن، وفيه: «وَتَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ، وَقَرِّبْ‏ وَسِيلَتَه».

([16]) شرح الأسماء الحسنى 1: 233.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة