شرح دعاء كميل (21)

img

﴿اللّهُمّ اغفِرليَ الذّنوبَ الّتي تُنزلُ النِّقَم﴾

النِّقم: جمع «نقمة»، كـ«نعم»: جمع «نعمة». أصلها «نَقِمة» ـ بكسر القاف ـ وزان «كلمة»، بمعنى الأخذ بالعقوبة، والجمع: «نَقِمات» و«نِقَم» كـ«كَلِمات» و«كِلَم» جمع «كلمة».

ولكن قال الجوهري: «وإن شئت سكّنت القاف، ونقلت حركتها إلى النون، فقلت: نِقْمة، والجمع نِقَم، كنِعْمة ونِعَم»([1]) انتهى.

[ما يترتّب على الذّنوب]

والذنوب التي تصير سبباً لنزول النّقم هي ـ على ما جاءت به الرواية ـ: نقض العهد، وظهور الفاحشة، وشيوع الكذب، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى، ومنع الزكاة، وتطفيف الكيل. قال رسول الله ‘: «خمس بخمس». قالوا: يا رسول الله، ما خمس بخمس؟ قال‘: «ما نقض قوم العهد إلّا وسلّط الله عليهم عدوّهم، وما ظهرت عنهم الفاحشة إلّا وقد فشا فيهم الموت، وما شاع فيهم الكذب والحكم بغير ما أنزل الله إلّا وقد فشا فيهم الفقر، وما منعوا الزكاة إلّا حبس عنهم القطر، وما طفّفوا الكيل إلّا منعوا النبات واُخذوا بالسّنين»([2]).

كما قال المولوي:

 ابر بر نايد پی منع زکوة وز زنا افتد وبا اندر جهات([3])

قال تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ([4])

﴿اللهُمَّ اغفِرليَ الذُّنوبَ الّتي تُغَيِّرُ النِّعَم﴾

النِعَم: جمع «نعمة» ـ بكسر النّون ـ وهي ما يلتذّ ويتنعّم به الإنسان من المال والنساء، والقوى، والآلات، والأدوات، والصّحة، والفراغة، والمأكولات، والمشروبات، والأنعام من الأغنام والآبال والخيول والبغال والحمير والبقرات، وغيرها ممّا أنعم الله به عباده، ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا([5]).

 قال تعالى ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾([6]).

في المجمع قال: «قال بعض الأعلام([7]): يكتب في اللوح أشياء مشروطة وأشياء مطلقة، فما كان على الإطلاق فهو حتم لا يغيّرو لا يبدّل، وما كان مشروطاً ـ نحو أن يكون مثبتاً في اللوح أنّ فلاناً إن وصل رَحِمه مثلاً يعيش ثلاثين سنة، وإن قطع رَحِمه فثلاث سنين ـ وانّما يكون ذلك بحسب حصول الشّرط، وقد قال الله تعالى: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ([8])»([9]) انتهى.

و«الذنوب التي تغيّر النعم» ـ كما جاءت بها الرواية ـ: ترك شكر المُنعم، والافتراء على الله والرسول، وقطع صلة الرحم، وتأخير الصّلاة عن أوقاتها حتّى انقضت أوقاتها، والدياثة، وترك إغاثة الملهوفين المستغيثين، وترك إعانة المظلومين.

وبالجملة: قد قرّر الشارع لكلّ نعمة أنعم الله بها عباده شكراً وطاعةً، كما قال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ([10]).

ومعلوم أن تركه يصير سبباً لأخذ المنعِم تلك النعمة عن المنعَم عليه.

وعن الصادق× ، قال: «نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده، وبنا فاز من فاز»([11]).

أقول: لما كانوا^ وسائط فيض الله تعالى وجُوده، ومجالي نوره وظهوره، ومكامن سرّه، كما قال×: «بنا اهتديتم في الظّلماء، وتسنّمتم العليا، وأفجرتم عن السرار»([12])، أي صرتم ذوى فجر.

وقوله×: «تسنّمتم العليا» أي ركبتم سنامها.

فما من نعمة فاضت على الخلق إلّا بواسطتهم وبأيديهم، فهم النعم العظمى، والدّولة القصوى من الله تبارك وتعالى في الآخرة والاُولى، كما قيل:

 

من فضل ريّهم ولاته ارتوت

وقرب فرض الكلّ مثل النّفل
بأرضهم تستنسر البغاثُ
مجد نباهة([13]) وفضل كرم

أنوارهم في نورهم قد انطوت

كالفرع ثمّ قربهم كالأصل
والمستغيثين بهم أغاثوا
في غرف مبنيّة عليهم

 

ثم إنّ النعم تشتمل النعم الباطنة من العلم والحكمة والعرفان، والإيمان بالله وباليوم الآخر، والأنبياء والرسل والأوصياء الاثني عشر، عليهم صلوات الله الملك الأكبر إلى يوم المحشر.

[بيان الذّنوب المغيّرة للنّعم]

فالذّنوب التي تغيّر تلك النعم وتذهب بنورها هي الخطيئات التي يعدّها أهل السّلوك إلى الله تعالى أيضا ذنباً، كالتوجّه إلى غيره تعالى، وترك الأولى، وكثرة الأكل والشرب والنوم، وقلّة الإكتراث بالصلاة والصوم، وكلّ ما كان من هذا القبيل من الهواجس النفسانيّة، فضلاً عن الوساوس الشيطانيّة. فليجتنب العبد المؤمن عن جميع هذه الذّنوب، بعناية الله الحبيب المحبوب.

_________________________

([1]) الصحاح 5: 2045، مادة «نقم».

([2]) تفسير فخر الدين الرازي 31: 88 ـ 89. بحار الأنوار 70: 370، وفيه: «وفي الحديث: خمس بخمس …».

([3]) مثنوي معنوي: 6.

([4]) البقرة: 59.

([5]) إبراهيم: 34.

([6]) الأنفال: 53.

([7]) منهاج البراعة (للقطب الدين الراوندي) 3: 376.

([8]) الرعد: 39.

([9]) مجمع البحرين 3: 431، مادة «غير».

([10]) إبراهيم: 7.

([11]) تفسير القمي 1: 86. بحار الأنوار 24: 51/ 3.

([12]) نهج البلاغة: 38، الخطبة 4.

([13]) ونَبُهَ الرجلُ ـ بالضم ـ: شَرُفَ واشتهر، يَنبُه  نَباهَةً، فهو نَبيهٌ ونابهٌ. الصحاح 6: 2252، مادة «نبه».

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة