شرح دعاء الصباح 23

img

﴿وأجْرِ اللهمَّ لِهيبِتكَ مِن آماقي زَفَراتِ الدُّمُوعِ﴾

«الهيبة»: الخشية. و«الآماق»: جمع الموق، وهو مؤخر العين ممّا يلي الأنف، كما أنّ «اللّحاظ»: طرفها الّذي يلي الأذُن. و«الزّفرات»: جمع الزّفرة، أي النّفَس الممدود حُزناً. وقد زفر يزفر زفراً، وزفيراً: أخرج نَفَسه بعد مَدّه إيّاه. وأصل الزفرة ـ بالكسرـ: القِربة، ومنه يقال للإماء اللواتي يحملن القِرب: زوافر. وفي اصطلاح اهل السّلوك: «الهيبة»، ومقابلها: «الأُنس» للمنتهين يعني هيبة القهر عند مبادئ تجلّي الّذات، وطمس رسم العبد. و«الأُنس»: هو الأُنس بنور جمال الّذات، واضمحلال الرّسُوم بالكليّة في عين الجمع الأحديّة. وهما فوق القبض والبسط اللذين هما في مقام القلب، كما هما أيضاً فوق الخوف والرّجاء اللذين هما في مقام النّفس. لكنّ المراد بالهيبة هاهنا: «الخوف» كما هو الظاهر، لكن في التعبير عنه بها دقيقة، وهي أنّه هي بوجه، فإنّ العوالم متطابقة، مثلاً الغضب في مقام الجسم: غليان دم القلب، وهو بعينه في مقام النّفس كيفيّة نفسانيّة، وهي بعينها في مقام العقل: القهرُ، وفي مقام أشمخ هو صفة الله الواحد القهّار، فتكون نوراً أقهر([1])، ووجوداً أبهر، ينطمس عنده كلّ الأنوار، وينمحق لديه جميع الوجودات.

﴿وَأدِّبِ اللهمَّ نَزَقَ الخُرقِ مِنّي بأزِمَّةِ القُنوُعِ﴾

«النَّزق»: الوثوبُ، يقال: نزق الفرس كـ«سمع» و«نصر» و«ضرب» نزقاً ونزوقاً: نزا أو تقدّم خفّة ووثب. وناقة نِزاق ـ ككتاب ـ: سريعة. و«الخُرق»: ضدّ الرّفق، والجهل والحمق، وفي الحديث: «الرِّفقُ يُمنٌ والخُرقُ شُؤْمٌ»([2]). و«الأزمّة» جمع زمام، وهو مقود الدّابّة. وقد شبّه الجهل والطيش من الإنسان في النّفس بالّدابّة من باب الاستعارة بالكناية. وأثبت الوثوب ونحوه له من باب الاستعارة التخييليّة. ونِعْمَ الزّمامُ القنوعُ، ففي الحديث: «القَناعَةُ كَنزٌ لا يَنفَدُ»([3])، «عَزَّ مَن قَنَع، ذَلَّ مَن طَمَع»([4]).

______________________

([1]) يعني غضب الله تعالى ليس إلّا قهره. وحقيقة قهره باهرية نوره الحقيقيّ كلّ الأنوار، وشامليّةُ وجوده كلّ الوجودات، وإنمحاقها بوجوده، وليس معناه فيه: غليان دم؛ لتنزُّهه عن التجسّم والتركيب، ولا إرادة انتقام بتحصيل التشفيّ؛ لأنها من الصّفات النفسانيّة والانفعالات، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. منه.

([2]) الكافي 2: 119. مشكاة الأنوار: 316.

([3]) شرح نهج البلاغة 2: 155. مشكاة الأنوار: 233.

([4]) شرح نهج البلاغة 19: 50. النهاية لابن الأثير 4: 114.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة