شرح دعاء كميل (13)

img

قوله×: «بالحروف غير متصوّت»، جعله هذا الشارح([1]) حالاً من فاعل «خلق»، أي خلقه والحال أنّه تعالى لم يتصوّت بالحروف، ولم يخرج منه حرف وصوت، ولم ينطق بلفظ؛ لتنزّه قدسه عن ذلك، ولا يخفى أنّ جَعْل هذا وما بعده ـ إلى قوله×: «فجعله كلمة تامّة» ـ صفة له تعالى، فيه بعدٌ غاية البُعد، ولا سيّما التنزيه عن الجسميّة والكيفيّة والكميّة وغيرها ليس فيه كثير مناسبة لخلق ذلك الاسم، ولا خصوصيّة له به، بل الـ«متصوّت» والـ«منطق» بصيغة المفعول، والكلّ صفة الاسم، على ما سنذكره.

وقوله×: «مستتر غير مستور»،أي مستتر عن الحواس، غير مستور عن القلوب،أو معناه مستتر عن فرط الظّهور.

قوله×: «على أربعة أجزاء معاً»، قال الشّارح([2]): أي على أربعة أسماء باشتقاقها وانتزاعها منه، وهي غير مرتّبة بعضها على بعض، كترتّب «الخالق» و«الرازق» على «العالم» و«القادر»، وعلى ما نذكر فالمقصود نفي الترتّب المكاني.

وقوله×: «وحجب واحداً منها»، أي لا يعلمه إلّا هو، حتّى الأنبياء، فإنّه قد استأثر علمه لنفسه.

قوله×: «وهذه الأسماء الّتي ظهرت فالظّاهر هو الله تبارك وتعالى»، قال الشارح: أي الظّاهر البالغ إلى غاية الظّهور، وكماله من بينها هو الله تعالى، ويؤيّده أنّه يضاف غيره إليه فيعرف به، فيقال: «الرّحمن» اسم «الله»، ولا يقال: «الله» اسم «الرّحمن»، وليس المراد أنّ المتّصف بأصل الظّهور هو «الله»؛ لأنّ غيره أيضاً متّصف بالظّهور، كما قال×: «وأظهر منها ثلاثة»، وهذا  صريح بأنّ أحد هذه الثلاثة الظاهرة هو «الله»، وأمّا الآخران فلم ينقلهما على الخصوص.

ويحتمل أن يراد بهما «الرّحمن الرّحيم»، ويؤيدّه آخر الحديث، واقترانهما مع «الله» في التسمية، ورجوع سائر الأسماء الحسنى إلى هذه الثلاثة، عند التامّل.

ثمّ قال:إلّا أنّ عدّ «الرّحمن الرّحيم» في جملة ما يتفرّع على الأركان ينافي هذا الاحتمال، ولا يستقيم إلّا بتكلّف مذكور.

ونسب إلى بعض الأفاضل أنّه يفهم من لفظ «تبارك»: جواد، ومن لفظ «تعالى»: أحد([3]).

قوله×: «أربعة أركان»، قال الشارح: اعتبار الأركان إما على سبيل التخييل والتمثيل، أو على سبيل التحقيق باعتبار حروف هذه الأسماء، فإنّ الحروف المكتوبة في كلّ واحد من الأسماء المذكورة أربعة.

و يحتمل أن يُراد بالـ«أركان» كلمات تامّة مشتقّة من تلك الكلمات الثلاث أو من حروفها، وإن لم نعلمها بعينها([4]).

قوله×: «وذلك قول الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ﴾»، قال الشارح: إنّما لم يذكر الثالث لقصد الاختصار، أو لأنّه أراد بـ«الرّحمن»: المتّصف بالرّحمة المطلقة الشّاملة للرّحمة الدّنيويّة والاُخروية([5])».

قال+: «أقول: قد علمت حقيقة الاسم، وأنّ هذه الألفاظ أسماء الأسماء، فالمراد ـ وهم^ أعلم بمرادهم بذلك الاسم ـ : الوجود المطلق المنبسط، الذي هو تجلّيه وصنعه ورحمته الواسعة الفعليّة، وجعله أربعة عبارة عن تجلّيه في الجبروت والملكوت والناسوت، ونفس ذلك التّجلي ساقط الإضافة عنها.

وبعبارة اُخرى: أصلها المحفوظ، و سنخها الباقي، وروحها الكامن، ومعلوم أنّه بهذا الوجه مكنون عنده، فالخلق المفتاق إليها شيئيّات ماهيّاتها، والأسماء الثلاثة هي التجليّات عليها؛إذ قد مرّ أنّه كما أنّ الوجود باعتبار تعيّن كمالي اسم من الأسماء، كذلك باعتبار تجلّ فعلي اسم أيضاً.

وإن كنت من المتفطّنين لحقيقة الخلق والإيجاد، وأنّه اختفاء نور الحق تعالى في حجب أسمائه، وفي حجب صور أسمائه، وأنّ مدّة اختفاء النور دورة الخلق، كما أنّ مدّة ظهور نوره واستتار حجبه دورة الحق وإفنائهم، ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ([6])، لوسع لك تجويز أن يكون ذلك الاسم أعمّ من الرّحمة الصفتيّة والرّحمة الفعليّة.

والمكنون منه هو التجلّي اللاهوتي، أعني: التجلّي في أسمائه وصفاته في المرتبة الواحديّة، والثلاثة الظاهرة ـ التجليّات الثلاثة المذكورة ـ والإكتنان هنا أشدّ؛ لأنّه إذا كان الرّحمة الفعليّة ساقطة الإضافة من صقع الذّات، كان الرّحمة الصفتيّة أوغل([7]) في ذلك؛ لأنّ الصّفة أقرب من الفعل.

وقوله×: «فالظّاهر هو الله تبارك وتعالى»،معناه:أنّه لمّاكان الاسم عنواناً للمسمّى وآلة للحاظه، فالأسماء الثلاثة ظهورات المسمّى، فهو الظّاهر؛ لأنّ معنى «الظّاهر» ذات له الظّهور، فالذّات التي هو «الله»، له الظّهورات، فهو الظّاهر بالأسماء.

أو المراد: أنّ الأسماء الثلاثة ظهورات الاسم المكنون المستأثر لنفسه، الذي هو عنوان لذاته تعالى عند ذاته، لكنّه معنون بالنّسبة إلى الثلاثة. والدليل على هذا المراد أنّ «الله» اسم واقع على الحضرة الواحديّة كاللاهوت، فإنّ معناه: الذّات المستجمعة لجميع الصفات والكمالات، وتلك الحضرة أيضاً مجمع الأسماء والصفات، ولذا عبّر في حديث الأعرابي([8]) عن النّفس اللاهوتيّة بذات الله العليا.

يتبع…

_______________________

([1]) شرح أصول الكافي (للمازندراني) 3: 285.

([2]) شرح أصول الكافي (للمازندراني) 3: 287.

([3]) شرح أصول الكافي (للمازندراني) 3: 289.

([4]) شرح أصول الكافي (للمازندراني) 3: 290، وفيه: «الحروف المكنونة».

([5]) شرح أصول الكافي (للمازندراني) 3: 294.

([6]) المعارج: 4.

([7]) «وغل» ـ الواو والغين واللام ـ : كلمة تدل على تقحّم في سير وما أشبه ذلك . وأَوْغَلَ القوم : أمعنوا في مسيرهم ومن التقحم. معجم مقاييس اللغة 6: 127، مادة «وغل».

([8]) قرة العيون (للكاشاني): 363.***

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة