شرح دعاء كميل (10)

img

﴿وَبِوَجْهِكَ البَاقِي بَعدَ فَنَاءِ كُلِ شَيء﴾

هذا كقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾([1])، وقوله: ﴿کُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾([2])

.

در نعمتِ بقا نيست کسی با تومشارک

ذات تو بود باقی وباقی همه هالک

قد جاء «الوجه» لمعانٍ كثيرة، ولا شيء منها يناسب هذا المقام إلّا الوجود المطلق الذي هو وجه الله القديم، وفيضه الغير المنقطع العميم، المحيط بجميع الأشياء، المشار اليه بقوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ([3])؛ إذ قد عرفت أنّ ذلك الوجود المطلق الذي هو وجه الله الباقي وفيضه الدائم داخل في صقع([4]) الربوبيّة، وكالمعنى الحرفي، لاحكم له على حياله، فبقائه ببقائه لا باستقلاله.

ومن جملة معاني الوجه: ذات الشيء، وقد جاء بهذا المعنى في الدعاء المخصوص بتعقيب صلاة الصبح أو المشترك بين الصباح والمساء، وهو هذا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ ـ أو أَمْسَيْتُ ـ أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيداً، وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ، وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَسُكَّانَ سَبْعِ سَمَاوَاتِكَ وَأَرَضِيكَ، وَأَنْبِيَاءَكَ وَ رُسُلَكَ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، فَاشْهَدْ لِي وَكَفَى بِكَ شَهِيداً، أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِمَّا دُونَ عَرْشِكَ إِلَى قَرَارِ أَرْضِكَ السَّابِعَةِ السُّفْلَى بَاطِلٌ مُضْمَحِلٌّ، مَا خَلَا وَجْهَكَ الْكَرِيمَ فَإِنَّهُ أَعَزُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَصِفَ الْوَاصِفُونَ كُنْهَ جَلَالِهِ، أَوْ تَهْتَدِيَ الْقُلُوبُ إِلَى كُنْهِ عَظَمَتِهِ. يَا مَنْ‏ فَاقَ‏ مَدْحَ الْمَادِحِينَ فَخْرُ مَدْحِهِ، وَ عَدَى وَصْفَ الْوَاصِفِينَ مَآثِرُ حَمْدِهِ، وَجَلَّ عَنْ مَقَالَةِ النَّاطِقِينَ تَعْظِيمُ شَأْنِهِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ افْعَلْ بِنَا مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، يَا أَهْلَ التَّقْوَى وَ أَهْلَ الْمَغْفِرَة»([5]).

فاعلم أنّه إذا تجلّى تعالى باسمه القهّار المفني في الطّامة الكبرى التي قال تعالى: ﴿يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا([6])، ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ([7])، وقال تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾، وحيث لم يبق أحد من المالكين المجازي ـ إذ الكلّ يفنى عند تجلّيه الأعظم ـ ما من مجيب يجيبه تعالى، فأجاب نفسه بقوله: ﴿للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ([8]).

و حينئذٍ يظهر أنّه تعالى مالك ملك الوجود بالعيان والشهود، وأنّ ما سوى الحق المعبود المحمود ـ ممّا استظلّ بظلّه الممدود، وادّعى مالكيّة سهم من الوجود ـ  كان مثله: ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ([9]).

فكان السّائل والمجيب في الآخر هو السّائل والمجيب في الأوّل ـ يعني في عالم الذرّ ـ ؛ إذ هنالك ايضاً حين قال تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ اجاب نفسه بقوله: ﴿بَلَى([10])؛ لأنّ العباد ما كانوا موجودين بوجوداتهم الخاصّة المتفرّقة حتى أجابوا  لله تعالى.

هم خود ﴿أَلَسْتُ﴾ گويد

و هم خود ﴿بَلَى﴾ کند([11])

بل كانوا موجودين بالوجود العلي لله تعالى، وإلى ذلك المقام أشار العارف الرومي+ في المثنوي:

متحد بوديم ويك جوهر همه

يک گهر بوديم همچون آفتاب

چون به صورت آمد آن نور سره

كنگره ويران کنيد از منجنيق

بي سر وبی پا بديم آن سر همه

بي گره بوديم وصافی همچو آب

شد عدد چون سايه های کنگره

تا رود فرق از ميان اين فريق

هذا وإن كانت الماهيّات عند أرباب الشهود والبيّنات مستهلكةً ومندكّةً في نور الوجود أزلاً أبداً، كما قالوا: «الأعيان الثّابتة مما شمّت رايحة الوجود أزلاً أبداً»([12]). والملك والبقاء لوجهه الكريم وفيضه القديم، ولا حول ولاقوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

 يتبع…

__________________________________

([1]) القصص: 88.

([2]) الرحمن: 26 و 27.

([3]) البقرة: 115.

([4]) الصُّقْعُ: الناحية من البلاد، والجهة أيضاً، والمحلة، وهو في (صُقْع) بني فلان أي: في ناحيتهم ومحلّتهم. المصباح المنير 1: 345، مادة «الصقع». وهنا بمعنى: في ناحية الربوبية.

([5]) مصباح المتجهد: 220/ 332.

([6]) المعارج: 6 و 7.

([7]) الزمر: 68.

([8]) غافر: 16.

([9]) النور: 39.

([10]) الأعراف: 172.

([11]) شرح مثنوي (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 326.

([12]) انظر: الحكمة المتعالية 8: 282. شرح الأسماء الحسنى (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 19.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة