شرح دعاء الصباح 17

img

﴿وَالْماسِكِ مَنْ أسْبابِكَ بِحَبْلِ الشَّرَفِ الأطْوَلِ﴾

«السّبب» لغة: الحبل. وفيه إشارةٌ إلى وقوع النّفوس النّاطقة باعتبار نزولها إلى أسفل السّافلين بعد كينونتها السّابقة في النّشأة العالية العلميّة في غيابة جُبِّ الطبيعة، وجهنّام المادّة؛ فلتتمسّك بحبل الله المتين الّذي أدلى به لعروج يوسف النّفس([1]) من ذلك الجُبّ إلى سماء الحُبّ، وتمسّكه (سلام الله عليه) بأطول حبال الشرف؛ لاستخلاص أُمّته بالتمسّك به. وحقيقة ذلك الحبل القرآن المجيد الّذي هو حقيقة العروة الوثقى الّتي لا انفصام لها، أو شريعته الغرّاء وطريقته المثلى، كما قال تعالى: ﴿إنَّ هذا القُرآن يَهدي لِلَّتي هِيَ أقْوَمُ﴾([2])، وقال: ﴿إنَّكَ لَعَلى خُلُقِ عَظيم﴾([3])، وقال|: «الشَّرِيعَةُ أقوالي، والطَّرِيقَةُ أفعالي»([4])، وأطوليّة دينه| معلومةٌ لبقائه إلى يوم الدين، وأمّا أطوليّة قرآنه فهي كناية عن سعة باعه، وأجمعيّته من سائر الكتب السّماويّة([5]) للعلوم والمعارف، وكونه معجزة دونها. ثمّ في الكلام استعارة تحقيقيّة من حيث التشبيهُ بالحبل، ووصفُه بالطّول ترشيحٌ. ويُعجبُني أن يكون المراد بـ «حبل الشَّرف»: وجودُه المقدّس الّذي هو برزخٌ بين الوجوب والإمكان([6]، وهو حبل الله المتين المتقن غاية الإتقان من باب «التجريد» المصطلح لعلماء البلاغة، نحو: «لي من فلان صديق حميم»؛ فيكون من قبيل قول الشاعر:

يا خَيرَ مَن يَركَبُ المَطيِّ وَلا  يَشرَبُ كأساً بِكفِّ مَن بَخِلا([7])

أي يشرب بكفّ الجواد، وهو نفسه، بل لا ماسك أمسك من الشيء بنفسه؛ لامتناع انفكاك الشّيء عن نفسه.

____________________________

([1]) ونعم ما قيل:

يوسف حُسنى واين عالم چو چاه
يوسفا آمد رسن در زن دو دست
خود رسن صبر است بر حكم إله
وزرسن غافل مشو بيگه شده است

منه.

([2]) الإسراء: 9.

([3]) القلم: 4.

([4])  عوالي اللآلي 4: 125 / 212، المحيط الأعظم والبحر الخضم 1: 33، 82، 195، وفي غيرها كثير، وأضافا: «والحقيقة أحوالي» .

([5]) فإنّ التوراة مثلاً مع كبرها، أحكام وآداب، كما قال الله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله﴾ [المائدة: 43]. منه.

([6]) وذلك لأنّ روحانيّته| عقل الكلّ الذي هو عندك الإنيّة، بل لا ماهيّة له عند المحقّقين. والإمكان الذي هو سلب الضّرورتين، أو جواز الطّرفين، أو تساوي الطرفين ـ بناء على بطلان الأولويّة ـ وصف الماهيّة. وأمّا الإمكان بمعنى الفقر والتعلّق، فالوجود موصوف به؛ فإنّ الوجود المجعول عين التعلّق والتقوّم بالجاعل، والوجود المفارقي العقليّ بالنّسبة إلى الوجود الأقدس كالمعنى الحرفي لا استقلال في التحقّق، ولا في الظّهور والنوريّة إلّا به، كما لا استقلال في المفهوميّة للمعنى الحرفيّ. منه.

([7]) مختصر المعاني: 277. خزانه الأدب 10: 486.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة